تمر السياسة الأمريكية عبر اللوبي اليهودي، فالوصول إلى البيت الأبيض أو مجلس الشيوخ أو مجلس النواب يتطلب الحصول على تأييد ودعم عدد من الجمعيات اليهودية.
ولم يسجل الرؤساء الأمريكيون على اختلاف انتماءاتهم السياسية بين ديمقراطيين وجمهوريين تغييرا في موقفهم من القضية الفلسطينية. فهل يكون أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية خروجا عن قاعدة الخضوع للوبي اليهودي؟
يبدو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليس خارجا عن القاعدة، وتجسد هذا بوضوح في اختياره لمساعدين أكدوا التزامهم بخدمة إسرائيل ومصالح اللوبي اليهودي. الدكتور محمد قيراط عميد كلية الاتصال بجامعة الشارقة يطرح في تحليل سياسي نشرته صحيفة "البيان" الإماراتية الأربعاء 4-2-2009 بعنوان "أوباما واللوبي اليهودي والعرب"، مقاربة للعلاقة بين الرؤوساء الأمريكيين واللوبي اليهودي، ويرسم رؤية لسياسة عربية تعمل على محاولة وسائل الإعلام الأمريكية في تغيير الصورة النمطية السلبية عن العرب، وتفنيد الأكاذيب التي مررها اللوبي اليهودي عن العرب. ويلقي بمسؤولية هذه المهمة الثقيلة على الجامعة العربية والعرب الأمريكيين. وفيما يلي نص المقال:
أوباما واللوبي اليهودي والعرب
تم تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما في العاصمة واشنطن بحضور أكثر من مليوني شخص ليكون بذلك الرئيس 44 في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وأول رئيس أميركي من أصول إفريقية.
تسلم أوباما الحكم بعد ثماني سنوات من حكم جورج بوش الذي ترك أميركا منقسمة على نفسها عانت خلالها من أحداث 11 سبتمبر ثم حربي العراق وأفغانستان وأخيرا الأزمة المالية العالمية والانهيار الاقتصادي الخطير الذي لم يشهد العالم مثيلا له منذ ثلاثينيات القرن الماضي. صعود أوباما إلى سدة الحكم يعتبر منعطفا تاريخيا ليس لأميركا فقط وإنما للعالم بأسره.
هل يستطيع الرئيس الأميركي الجديد أن يتجنب تأثيرات اللوبي اليهودي على قراراته المتعلقة بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟ وهل يستطيع أن يتجرد من الدعم اللامشروط لدولة إسرائيل التي تحظى بمكانة كبيرة وبأولويات لا مثيل لها عند كل من جلس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض بواشنطن.
فالقاعدة المتعارف عليها في الأوساط السياسية الأميركية هي أن بالنسبة للسياسيين الأميركيين الذين يبحثون عن النجاح والوصول إلى البيت الأبيض أو مجلس الشيوخ أو مجلس النواب فهم مطالبون بالمرور باللوبي اليهودي والحصول على الموافقة والدعم من الجمعيات اليهودية وعلى رأسها اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة والمؤتمر اليهودي العالمي. والدليل على ذلك هو أن موقف الرؤساء الأميركيين من القضية الفلسطينية لا يتغير بخروج الرئيس من البيت الأبيض ولا يتأثر بطبيعة الانتماء الحزبي للرئيس سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا.
والدليل على ذلك هو الشخصيات السياسية التي أختارها أوباما للعمل معه في البيت الأبيض حيث إن معظمهم يلتزم بخدمة الدولة العبرية وأهداف ومصالح اللوبي اليهودي. من جهة أخرى يجب العلم أن الرئيس الأميركي ليس حرا طليقا في كل القرارات التي يتخذها، فهناك قرارات تؤخذ وهو ليس مقتنع بها.
فعندما يكون الرئيس الأميركي في سدة الحكم يكون له موقف معين أو قرار معين، قد يكون غير مقتنع به في العديد من الأحيان، وهذا بسبب الضغوط والنفوذ القوي للوبي اليهودي. وعندما يغادر البيت الأبيض تتغير مواقفه ويصبح يتعاطف مع الحق ومع القضايا العديدة في العالم كقضية فلسطين مثلا.
وهذا ما حدث مع كارتر على سبيل المثال. والكتاب الأخير الذي كتبه الرئيس السابق كاتر عن الممارسات العنصرية والتمييز العنصري للكيان الصهيوني في فلسطين لاقى استياءً كبيرا من قبل اللوبي اليهودي بالدرجة الأولى ثم بطبيعة الحال الرأي العام الأميركي والنخبة المثقفة ونسبة كبيرة من وسائل الإعلام.
خرج الرئيس كارتر عن صمته وتكلم عن الأبرتايد الإسرائيلي في فلسطين وانتقد التمييز العنصري بالأدلة والأرقام والبيانات وكان الرد أن جامعات أميركية عديدة رفضت عرض كارتر تقديم كتابه وشرح وجهة نظره وفتح قنوات تواصل بين اليهود والفلسطينيين للتحاور والنقاش والتعايش في أمن وسلام وطمأنينة.
ففي كتابه «قوة إسرائيل في الولايات المتحدة» يستدل جيمس بيتراس بناحوم غولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي عندما قال للرئيس السابق جيمي كارتر «ينبغي سحق اللوبي اليهودي لأنه أصبح قوة تدميرية وعقبة حقيقية أمام السلام في الشرق الأوسط!».
هذا كلام رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، فالولايات المتحدة الأميركية أصبحت أسيرة اللوبي اليهودي في عقر دارها. كما استشهد الكاتب بيتراس بالملك حسين رحمه الله الذي قال إن: «الولايات المتحدة لا تمتلك أي هامش حرية في منطقتنا. إنها مجبرة على مراعاة اللوبي اليهودي وحكومة إسرائيل وعدم الخروج على إرادتهما».
ومن الضحايا العديدين للوبي اليهودي في المؤسسة السياسية الأميركية بول فيندلي النائب من ولاية «إلينو» الذي كتب كنابه الشهير «إنهم يجرؤون على الكلام» حيث فضح من خلال صفحات كتابه الهيمنة الكاملة للوبي اليهودي على السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. كما راح ضحية اللوبي اليهودي ممثل الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة أندري يونغ.
فاللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية يتسم بالتنظيم والمنهجية والفاعلية والتخطيط والبرمجة والقوة المالية والإعلامية والدعائية والتنسيق على مختلف الصعد. فنسبة اليهود من سكان أميركا لا تتجاوز 5 ,2% لكن نفوذهم في صناعة القرارات السياسية تفوق 70% كيف لا و20% من مليارديرات الولايات المتحدة الأميركية هم يهود.
بالنسبة للعرب والمسلمين المشكلة لا تتعلق في سياسات وقرارات وبرامج أوباما في الشرق الأوسط بقدر ما تتعلق بما حضّر العرب والمسلمون للتعامل مع أميركا وبقدرتهم على صناعة اللوبيات وسياسة الكواليس وصناعة الرأي العام وبناء الصورة ووضع استراتيجيات وخطط لخدمة مصالحهم وأهدافهم.
والسؤال الذي يجب طرحه من قبل الساسة العرب هو ماذا يجب القيام به للتأثير على صانع القرار الأميركي ؟ وما هي الوصفة الناجعة للوصول إلى الرأي العام الأميركي الذي يعتبر رقما مهما في معادلة صناعة القرار في البيت الأبيض والكونغرس.
المطلوب إذن هو تحديد الأهداف ووضع الأولويات ومن ثمة تحديد السبل والطرق والاستراتيجيات لتحقيق وتجسيد هذه الأهداف في أرض الواقع. فقنوات التواصل مع أميركا يجب أن تبدأ من خلال الحوار ووسائل الإعلام المختلفة لبناء الصورة التي نريدها ونريد إيصالها للرأي العام الأميركي.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الرأي العام الأميركي وجماعات الضغط واللوبيات تلعب دورا محوريا ورئيسيا في رسم السياسات واتخاذ القرارات. ومن أهم المشكلات التي يعاني منها العرب والمسلمون في الرأي العام الأميركي هو الصورة النمطية السلبية والأكاذيب والأساطير التي روجت لها وسائل الإعلام الغربية والصناعات الثقافية على اختلاف أشكالها والتي تقدم العالم العربي والإسلامي في وضع ينفر منه أي إنسان.
وخير دليل على ذلك هو ربط الإرهاب بالإسلام والعرب وهذا أمر عار من الصحة تماما. من جهة أخرى نلاحظ ضعف العمل العربي المشترك سواء على صعيد جامعة الدول العربية أو على صعيد الجالية العربية المتواجدة في أميركا وكذلك العرب الأميركيين الذين تنقصهم الخبرة والتجربة والكفاءة والفاعلية اللازمة للوصول إلى صانع القرار والتأثير فيه.