هل العرب ظاهرة صوتية فعلا كما يقول بعض نقاد الفكر العربي؟ المقصود بالظاهرة الصوتية هو أن العرب يقولون ولا يفعلون. يعملون ولا ينجزون. يطمحون ويسعون للتنمية ولكنهم ما زالوا يعانون من الكثير من مشاكل ومظاهر التخلف. منذ عشرات السنين ومؤتمرات الصحة والتعليم والخدمات العامة تعقد في جميع الدول العربية وتناقش مسائل تحسين الخدمات الصحية وتطوير المناهج وتحسين كفاءة وأداء المدرسين، ولكن مشاكل الصحة والتعليم والخدمات العامة ما زالت قائمة، وفي بعض الحالات فإنها تتفاقم. منذ عشرات السنين وخبراء الاصلاح الاداري يقدمون التوصيات والمرئيات وتبقى المشكلة الادارية قائمة. الدعوة الى الوحدة العربية والتضامن العربي تنتقل من جيل الى جيل ولكن تجارب الوحدة العربية فشلت ودرجة التضامن والتكامل العربي ليست اليوم أفضل مما كانت عليه في السابق. وحتى محادثات الوحدة العربية الشهيرة التي انعقدت في الستينات الميلادية من القرن الماضي بين مصر وسورية والعراق لم تكن ناجحة. وأي عربي يطلع على وثائق هذه المحادثات يصاب بخيبة أمل كبيرة، وقد ينتابه شعور قوي بأن العرب هم فعلا ظاهرة صوتية. توصيات ومواثيق الجامعة العربية في قضايا المرأة والتعليم والتنمية وغيرها أقرب لأن تكون حبرا على ورق. والجامعة نفسها التي يفترض ان تزداد قوة وأهمية أصبحت اليوم تواجه مشاكل كثيرة وأصبح بعض المحللين السياسيين العرب يتساءلون عن امكانية بقاء الجامعة في المستقبل.
وبعيدا عن مشاكل السياسة العربية فلا مشكلة أكثر خطورة وأكثر أهمية من مشكلة التعليم. وان معالجة هذه المشكلة هي مفتاح التنمية والتطور ووسيلة التخلص من أزمة الظاهرة الصوتية التي تطغى على الحياة العربية. طلابنا لا يتعلمون بشكل صحيح. يتخرجون من المدارس ويلتحقون بالجامعات وكثيرون منهم لا يجيدون الكتابة باللغة العربية ولا يلمون حتى بأبسط قواعدها. تدني مستوى الطلبة في اللغة العربية وتفاقم المشكلة من سنة الى أخرى في جميع الدول العربية بلا استثناء يوضح أن هناك مشكلة رئيسية في وسيلة التدريس على المستوى العربي بأكمله. فاللغة العربية هي لغتنا وإذا فشلنا في تدريسها فالعيب بالتأكيد ليس بمناهج اللغة العربية المقررة ولكن بطرق تدريسها الحالية.
ومن المهم لخبراء التعليم العربي ان يعطوا أهمية خاصة لتطوير وسائل التدريس في جميع المقررات الدراسية. عندما أمضيت سنة التفرغ العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية درست ابنتي وكانت في السنة الثانية من المرحلة الابتدائية بإحدى المدارس الامريكية. ولاحظت خلال متابعتي لدراسة ابنتي في تلك السنة وجود اشياء كثيرة تفتقر اليها مدارسنا ولا تقدم أو تعطى لطلبتنا أهمها وفي مقدمتها وسيلة التعليم نفسها. فمنذ السنة الابتدائية الثانية رأيتهم يعلمون طلبتهم فكرة وكيفية اعداد تقرير عن كتاب Book Review. فلقد كان الواجب المنزلي يتضمن إعداد تقرير كل أسبوع عن كتاب وتقديمه لمدرسة الفصل. الكتاب يتم اختياره من مكتبة المدرسة من قبل الطلبة أنفسهم. فكل طالب وطالبة يقوم باختيار الكتاب الذي يرغبه تحت اشراف وتوجيه المدرسة. وجميع الكتب هي كتب صغيرة الحجم مخصصة للأطفال ومزودة بالصورة التوضيحية الملونة. ويعطى كل طالب وطالبة مع كل كتاب نموذج من صفحة واحدة توضح المعلومات التي ينبغي تقديمها عن الكتاب.
ويتضمن النموذج بيانات تشتمل: اسم المؤلف، والعنوان، وموضوع الكتاب، وتقديم نبذة في عدة أسطر عن الكتاب. خلال الشهرين الأولين من تلك السنة الدراسية كنت اساعد ابنتي في إعداد تقاريرها الأسبوعية عن الكتب التي تختارها من مكتبة المدرسة. وعند اعداد أول تقرير لاحظت ان ابنتي لم تكن تعرف حتى ما هو المقصود لا بالمؤلف ولا بعنوان الكتاب.
ولكن خلال مدة قصيرة أصبحت ابنتي تقوم بإعداد التقارير بمفردها وتحدد موضوع الكتاب بعدة كلمات وتكتب فقرة صغيرة عن الفكرة التي يستعرضها الكتاب. فلقد كانت عملية إعداد التقرير عن الكتاب في الحقيقة عملية تدريبية تساعد على تنمية القدرات الفكرية للطلبة ولا تعتمد نهائيا على الحفظ والتلقين، ولم تقتصر فائدة هذه الوسيلة على تعليم وتدريب الطلبة على كيفية اعداد تقارير الكتب التي يقرؤونها ولكنها اشتملت ايضا على فائدة أخرى لا تقل أهمية عن فائدتها الأولى. فلقد كانت الكتب تتضمن موضوعات وافكارا تربوية واجتماعية وأخلاقية وانسانية مفيدة. موضوعات عن الوطنية والبيئة والرياضة والانجاز والرفق بالحيوان ومساعدة المحتاجين والمعوقين وغير ذلك كثيرا. وأصبحت ابنتي على صغر سنها في ذلك الوقت تناقشني أنا ووالدتها في هذه الموضوعات وغيرها من الموضوعات المشابهة وتطرح علينا بعض الأسئلة التي كنا أحيانا لا نعرف كيف نجيب عنها. ولقد علمت من مدير المدرسة ان الكتب التي تعطى للطلبة بهدف إعداد التقارير عنها يتم اختيارها وتزويد مكتبة المدرسة بها من قبل اخصائيين تربويين.
وكما ان الكتب المخصصة لطلبة السنتين الثانية والثالثة من المرحلة الابتدائية تختلف عن الكتب المخصصة لطلبة السنتين الرابعة والخامسة، فإن نماذج اعداد التقارير تختلف من سنة الى أخرى وتشتمل على معلومات اضافية تتناسب مع عمر الأطفال وسنتهم الدراسية. ونموذج السنة السادسة على ما اذكر كان يهدف الى تعليم الطلبة النقد من خلال تضمنه على جزء خاص بتقديم مرئيات وملاحظات الطلبة عن الكتاب هل أعجبهم؟ وهل يتفقون مع رأي مؤلفه أم يختلفون؟ ان جزءا كبيرا من مشكلة التعليم في عالمنا العربي يتطلب تحسين وسائل التعليم وليس فقط تطوير المناهج أو رفع كفاءة المدرسين
الثلاثاء فبراير 10, 2009 4:35 am