ينظر عرب الحاضر لعرب الماضي بالتقدير والاعجاب والفخر والاعتزاز، ويتغنون في شعرهم وادبهم وتاريخهم بحضارة الاندلس وحضارة الامويين والعباسيين وغيرها من الحضارات العربية والاسلامية. ولكن كيف سينظر عرب المستقبل لنا نحن عرب اليوم او عرب الوقت الحاضر؟ وكيف سينظرون للفترة الحرجة التي نستقبل بها القرن الواحد والعشرين؟ كثيرون منا قد يعتقدون ان نظرتهم لنا ستكون نظرة سلبية، فلقد فشلنا في تحقيق وحدتنا العربية، وتمكنت اسرائيل من هزيمتنا عدة هزائم. مشروعنا القومي لم يساعدنا على تحقيق الوحدة العربية، وصحوتنا الاسلامية لم تساعدنا على توحيد الصف الاسلامي، وعوضا عن ذلك استغلها بعض المتطرفين لنشر اطروحاتهم وافكارهم المتطرفة. سوف يتألم عرب المستقبل عندما يعلمون عن حرب الخليج واحتلال العراق للكويت عام 1990. وسوف يتألمون ايضا عندما تنقل اليهم صفحات التاريخ اخبار احتلال امريكا للعراق.
ولكن اذا كنا نعتقد ان عرب المستقبل سوف يحزنون لحال عرب الحاضر فإن هذا الاعتقاد مبني في حقيقة الامر على نظرتنا نحن لانفسنا. فنحن نتألم لحالنا ونشعر بالحزن والأسى والازدراء ولهذا فاننا نعتقد بان عرب المستقبل سوف يشعرون بنفس الشعور. ولكن اجيال العرب القادمة ستعيش في فترة انسانية تختلف تماما، عن فترتنا الحالية. فترة ستكون فيها الدول والمجتمعات والقيم السياسية والاجتماعية في العالم بما فيه عالمنا العربي خاضعة بشكل كامل للعلم ومظاهر ومؤثرات المبتكرات العلمية. فاذا كان العصر الحالي هو عصر العلم فان المستقبل الذي سيشهد المزيد من تقدم العلم سيكون عصر ثقافة العلم وسياسة العلم واجتماع العلم واقتصاد العلم. العصر الذي سيعيش فيه عرب المستقبل سوف تخضع فيه النظم الانسانية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمنجزات العلم. فتأثير الايديولوجيات والقوميات والقبليات سوف يتلاشى مصحوبا بتلاشي الكثير من الحماقات المرتبطة بها التي نراها اليوم. فانسان المستقبل في العالم العربي سيكون مثل غيره من بني البشر منشغلا بأمور التطور العلمي وسيكون اسيرا للمنجزات والمبتكرات العلمية.
انسان المستقبل العربي سيكون اكثر واقعية وسوف يقرأ التاريخ قراءة علمية وليس قراءة عاطفية او ايديولوجية. سوف يعرف الانسان العربي في المستقبل لماذا هزمتنا اسرائيل اكثر من معرفتنا نحن لهذه الحقيقة. وسيكون اكثر ادراكا منا لاسباب فشلنا في الخروج من مأزق التخلف ومعالجة قضايا التنمية. واذا سألنا انسان المستقبل من بني العرب ان يختار اكثر الامور غرابة في فكر وحياة عرب القرن العشرين فاعتقد انه سيلاحظ للوهلة الاولى ان الغرب في ذلك القرن كان يكتشف المخترعات بينما كان اسلافه العرب (نحن) يكتشفون المؤامرات. ولقد نجحت القاعدة في مطلع القرن الواحد والعشرين في اخافة الغرب وفي ضرب المصالح الغربية وتحدي امريكا نفسها ولكنها اضرت كثيرا بالاسلام وبالعرب والمسلمين. فلقد اساءت الى علاقات الدول العربية بالغرب وهو مصدر العلم والتقنية. والفجوة العلمية بين العرب والعالم المتقدم ستكون من اكثر السلبيات التي سيلاحظها ويهتم بها عرب المستقبل. سوف يجد الانسان العربي في المستقبل صعوبة في تصديق حقيقة ان الضرر بالاسلام وبالعرب والمسلمين قد جاء من بعض المتطرفين العرب والمسلمين، المتطرفين بفكرهم وايديولوجياتهم وسلوكهم اكثر من ان يأتي من اعداء العرب والمسلمين. عجيب امر القاعدة وامر المتطرفين المسلمين وعجيب امر من دعموهم او امتنعوا عن محاربتهم من بين جلدتهم هكذا سيقول عرب المستقبل في رؤيتهم لنا نحن عرب الحاضر. فسوف يستغرب عرب المستقبل من انسياق كثيرين من ابناء عرب اليوم وراء الاطروحات المتطرفة الهدامة ووراء الافكار غير العقلانية واللاواقعية.
سوف يتعب عرب المستقبل من قراءة مشاكل عرب الحاضر وقد يفقدون الرغبة والاهتمام في معرفتها، خاصة ان نظرتهم للامور وكذلك قيمهم وافكارهم الاجتماعية والسياسية سوف تختلف كثيرا عن نظرتنا للحياة وعن افكارنا وقيمنا وعاداتنا الحالية. سوف يتأثر عرب المستقبل بظروف المنجزات العلمية التي ستحيط بهم. فانشغالهم بتاريخ المخترعات العلمية المتطورة وفي التفاعل معها سوف يقلل من ارتباطهم بالماضي. وقد لا يملكون الوقت او الرغبة لقراءة تاريخنا او التفكير بنا والحزن لامرنا. وقد يقل اهتمامهم حتى بفترات ازدهار الحضارة العربية والاسلامية. من يدري فقد يلغون او يقلصون مادة التاريخ من برامجهم التعليمية حتى لا تشغلهم كثيرا عن دراسة وفهم حاضرهم القائم على العلم والتقنية. فلا مجال للفلسفة والتفلسف في مستقبل الانسان العربي والكثير من مظاهر ومعالم الثقافة العربية سوف تتغير لكي تتكيف مع عصر سياسة العلم واجتماع العلم. وان حياتنا الحاضرة ـ صدقوني ـ لن تكون بالنسبة لعرب المستقبل اكثر من قصص وروايات وافلام سينمائية طويلة وحزينة. وباختصار فان المشاكل والمآسي التي نشاهدها الآن في عالمنا العربي والاسلامي تخصنا وحدنا. واذا اردنا حياة افضل لنا ولاحفادنا عرب المستقبل واردنا لنظرتهم لنا ان تكون اكثر ايجابية فالمطلوب منا ان نفكر بعقل العلم ومنهج العلم وان نبتعد عن العاطفة والايديولوجية واللاواقعية وان نحارب التطرف ونقول لدعاته: شيء من الحكمة ايها المتطرفون فالتاريخ لن يرحمكم وعرب المستقبل لن يرحموكم.