الحقيقة ان كثيراً من علماء النفس السلوكي يرون ان الانسان لا يولد صادقا، ولكنه يتعلم الصدق في القول والعمل والوعد وبقية القيم السامية من مجتمعه ومدرسته!!
والصحيح عندي ان هذا الكلام لا يتفق لا عقلاً ولا شرعاً مع الحقيقة، فقد قال معلم البشرية عليه الصلاة والسلام والذي لا ينطق عن الهوى بأنه (مامن مولود الا ويولد على الفطرة) ولا شك بان الفطرة السليمة تحب الصدق وتأنس له ..
ونتفق كلنا بأن من مظاهر براءة الأطفال وطهارتهم انهم يقولون الصدق دائما ولو كان ضدهم الا ان نلقنهم غير ذلك ..
وقد صادف قبل ايام اني اتصلت على هاتف بيت احدى الامهات فرد علي ابنها الصغير ذو السنوات السبع فسألته: هل ماما موجودة؟ فقال: نعم موجودة، ولكن من انت؟ فاخبرته باسمي بعد إلحاح طويل، وبعدها قال لي: ماما غير موجودة وسوف تكلمك بعدين، مع السلامة، واقفل السماعة!!
ضحكت على هذا التصرف، ولم اعاود الاتصال بها، حتى اتصلت هي بعد ساعة، وعلمت منها بانها كانت خارج المنزل وقد وصلت الان!!
فلما اخبرتها بتصرف ابنها قالت لي: ابني يهتم كثيرا بمعرفة اسماء صديقاتي واحدة واحدة ويستميت في سبيل ذلك!!
الحقيقة اني لم اناقش الأم كثيرا في هذا الموضوع لاني اردتها ان تقرأ هذا المقال لتعرف بأن المشكلة الحقيقية هي بأن الطفل اضطر للكذب علي وايهامي بان امه موجودة ليتمكن من اخذ اسمي!!
ومعنى هذا ان الكذب اصبح وسيلة مباحة لديه لتحقيق رغباته!
ومتى ما احس الطفل بانه لا يعاتب على كذبه ربما استحلى مذاق الكذب واصبح كذابا محترفا، ويبدو بان ذلك اصبح ملاحظا بكثرة .
والطفل ليس كما نظن بانه لا يفرق بين الصدق والكذب، فنحن نخلط بين مايسمعه الطفل وبين مايقوله!! ..
فما يسمعه الطفل قد لا يستطيع ان يعرف الصدق من الكذب فيصدق ببراءة الطفولة كل مايقال له وربما رسخت في ذهنه تلك المعلومة المغلوطة إلى الأبد ..
اما مايقوله الطفل ومايشعر به فهو حقيقة لا زيف فيها ولاكذب لان فطرته السليمة تنفر من الكذب وتستقبحه!! ..
فان سالتم لماذا احيانا يشتكي الطفل كذبا من الم في معدته وقصده ان يلفت الانتباه لنفسه بسب غيرته من اخيه الصغير؟؟..
فاقول بان الدراسات النفسية اثبتت بان هذه الاحاسيس ليست اكاذيب اطلاقا!!
فالنفس عندما تتألم او تغضب او تنقهر او تحس بظمأ إلى الحب والعاطفة تنقلب هذه الآلام النفسية إلى آلام جسدية حقيقية ربما تمثلت بمغص في البطن او صداع في الرأس او توتر في العضلات او الام في المفاصل!! والعجيب ان هذه الآلام عندما يفحصها الطبيب سريريا لا يجد لها اسباباً عضوية معروفة!! ..
@@ فالطفل عندما تتوفر لديه القدرة الكلامية والتعبيرية وسعة الخيال وتلك القدوة الممارسة لانواع الكذب ثم يغلف ذلك كله بانه لاينهى عن الكذب ولا يعاتب عليه، فالنتيجة بلا شك طفل كذاب لا يحبه الله ولا خلقه ولا يتعامل معه الناس، وربما اصبح في المستقبل مسوق مبيعات ناجحاً في خداع الناس واستنزاف مافي جيوبهم ولكنه سيبقى يكره نفسه التي ينكرها ولا يعرفها!!
فلماذا يصر بعض الآباء على أن يجعلوا للكذب الواناً كالابيض والاسود، ولماذا يجعلون له انواعاً كالضرورة والعبث والمزاح!!
ألسنا بهذه الطريقة نرقق من مفهوم الكذب ونهمش من نتائجه، وألسنا بذلك نشجع ابناءنا من حيث لا نعلم على تعلم الكذب وممارسته؟!
العجيب بان آخر الدراسات النفسية بدأت تصيح وتنادي باصلاح مايمكن اصلاحه فقد وجدت ان الكذب يسبب شرخاً في نفس الانسان ويبقى عقله الباطن في خصام مع عقله، فلا تتمايز الاشياء من حوله، ولا يستطيع ان يعرف الحقيقة من غيرها، ويبقى الكذب هو اللبنة الاولى للامراض السلوكية وربما النفسية!!
واختم بما هو خير من كلامنا ؛ كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما سئل (هل يزني المؤمن، قال :نعم!! ) وسئل (هل يسرق المؤمن، قال :نعم) وعندما سئل (هل يكذب المؤمن، قال: لا، المؤمن لا يكذب)