يفكر الناس كثيراً بالموت ويبدو هذا شيء طبيعي لأن الشخص نفسه يمثل الفكرة المناقضة له وهو الحياة. ولكن الذي يحدث دائماً بالنسبة لنا هو أن نجعل حياتنا غير جيدة لأن الكثير من التفكير بالموت سينغصها وكأننا ندخل الموت بالحياة. ولكن نحن المسلمون أكثر اناس لا يجب أن نخلط الموت بالحياة لأننا نؤمن بشكل يقيني أن ما نقوم به بالدنيا سنجده بالآخرة، وأننا مهما فعلنا أشياء جيدة بعد الموت لن تنفعنا اطلاقاً.
إن الإنسان يحمل بداخله المتناقضات، ولكن مع الوقت تعلم أن يحسن من وضعه ومكانته حتى وصل الأمر إلى محاولة التفكير بفكرة الموت نفسها وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على حياتك وتجعلك بدل أن تعيش بطريقة طبيعية ثم تموت أصبحت تعيش بطريقة ميتة ومن ثم تموت.
إن الحياة صاخبة ومعقدة ولا تعرف من أين تبدأ وأين تنتهي، لذا يبدو من الصعب أن نحددها ولكن علينا أن نتعرف على الموت الذي يبدو محدداً لنعرف بصورة كافية كيف يمكن أن نمارس حياتنا. إن الله واسع المغفرة ونحن نطلب منه دائماً أن يسامحنا على أخطائنا الصغيرة وهفواتنا أما القلة منا الذين ارتكبوا أخطاء كبيرة فالله يقول كثيراً في كتابه الكريم إن باب الرحمة مفتوح دائماً ولكن مع ذلك فإن هذا لا يجعلنا نشعر بالهدوء قليلاً وعمل بعض الأشياء الجيدة بالحياة كما طلبنا من الله ذلك قبل أن نموت فعلاً ونصبح عاجزين عن فعل أي شيء. الصورة التي لدينا عن الموت هي صورة تراجيدية مبالغ فيها مشحونة بالكثير من العويل والصراخ والبكاء وملامح للنهايات (كم منا يشعر إذا مات شخص عزيز عليه أن هذه نهاية الحياة. على العموم هذا تفكير غير جيد).
لا أريد أن أفرغ الموت من طابعه المأساوي ولكن علينا أن لا نبتعد عن الفكرة الأساسية للموت والتي هي في الحقيقة تحول بيولوجي. إن منظر شخص ميت هو منظر صادم جداً ولكن علينا كي نستوعب الأمر أكثر هو التفكير بأن المسألة يجب أن تكون أيضاً صادمة لنا عندما يولد كي نفهم أن النهاية يجب أيضاً أن تكون صادمة ولكن عليها أن لا تصدمنا (لأننا لا نرى بداية العملية البطيئة لتشكل الإنسان في الرحم لذا تبدو المسألة غير صادمة مع أنها كذلك). دائماً ما يشعر الناس الذي يموت لهم قريب بالرهبة والصدمة من منظره الممدد والجامد وهو الذي كان قبل لحظات يتحرك ويضحك ولكنه الآن عكس ذلك وكأن روحه اختفت في أحد الغرف المجاورة، ولكن هذا الأمر الصادم يجب أن يكون أقل من فكرة الولادة التي يخلق فيها إنسان كامل من لا شيء بعكس الموت الذي يبدو أن الإنسان فقط خسر جزءاً منه.
إن مثل هذا التفكير يجب أن يوصلنا إلى فهم بيولوجي يفسر كيف تبدأ الأشياء وكيف تنتهي، ولكن هذا لا يعني أن لا نحزن على أحبائنا الذين خسرناهم ولكن فقط لكي يعيد لنا فقط بعض المنطق البيولوجي على الأقل لتقبل هذه المسألة.
العالم جميعاً يهتم للموت ويحزن له ولكن لدينا في الثقافة العربية نحوله إلى جزء كبير من حياتنا. غالبية الأفكار التي تناولت الموت في الثقافة العربية طرحته بشكل عدمي ومؤثر سلبياً على الحياة.
الشعراء العرب تطرقوا كثيراً لهذه المسألة بالكثير من الحزن المبالغ فيه الذي يعني بصورة أخرى شلل الحياة. فكرة الموت هي فكرة غامضة وشاعرية ويحب الشعراء دائماً أن يظلوا في هذه المناطق الرمادية التي تعزف على مشاعر الناس ولكنهم قدموها بطريقة مبتذلة وشحنوها بالآهات والوجع وهذه في الحقيقة طريقة غير جيدة لمفارقة الحياة (شاعر انجليزي يصور الموت بطريقة سلسة وكأنه ينتقل بسفينة وحيداً في نهر داكن وهناك شاعر عربي يقوم بالتوجع وكأنه يدخل بشكل لا إرادي الألم البدني الذي سيواجهه من فكرة الموت ذاتها بأبياته الشعرية وبالتأكيد أن طريقته يمكن أن تسمعها من دكتور وليس من شاعر). هناك أيضاً أفكار دينية قدمت الموت بشكل رهيب جداً (تذكروا عرض الجنائز في فصول الطلاب والطالبات التي تقام في بعض المدارس) وهي تهدف إلى مزيد من الخوف، ولكن هذا النوع من الخوف يتحول إلى علة مرضية تؤثر على عقل الإنسان وتجعله عديم الفائدة في هذه الدنيا وهذا أحد أسباب قدومه إليها. إن الخوف شيء مناسب لتذكير الناس ولكن ليس إلى الدرجة التي يعيشون الموت قبل أن يموتوا بالفعل. الطفل الذي يتعرض لمثل هذا القدر من الترهيب لن يجد ما عليه أن يفعله. ففي الواقع هو طفل رائع ومهذب ومحافظ على الصلاة ومثل هذا الضغط سيجعله يعبث بعقله وروحه حتى يدخل إلى الظلام وهو ما يعني أنه انفصل عن الحياة.
ما الذي يستفيده كبار المفكرين والمخترعين من الأعمال التي أنجزوها وهم الآن ميتون. إن كل واحد منا يتمنى أن يعيش إلى الأبد حتى لو لم يقم بأي شيء جيد في الحياة. ولكن هذا الذي لن يحدث أبداً وهذا الذي يجعلنا نحمد الله على نعمة الحياة التي يجب أن نقوم فيها بشيء جيد أياً كان لأننا سنموت في النهاية وكم سيكون أمراً مهيناً جداً أن نعيش هذا الوقت الطويل ونحن فقط نقضي وقتنا بالأعمال التفاهة بدون أن نفكر أن نستغل هذه الفرصة التي لم تمنح لغيرنا لنقوم فقط بشيء مفيد لنا وللناس من بعدنا. إن التقدم الذي نعيشه بكل وجوهه قام به أشخاص ميتون الآن ولو أنهم قضوا وقتهم مثلنا وهم يفكرون بالموت فربما مازلنا نعيش حياة صعبة وقاسية ولكنهم فكروا بطريقة رائعة واستثمروا الوقت ومازلنا نذكرهم بالخير. يجب أن نفهم أن الأمور تجري هكذا. حياة وموت لنا واحبائنا وهناك الكثير من الوقت لكل واحد منا فرصة ليقوم بأشياء جيدة وعندما نموت جميعاً لا نهتم بالفعل إذا كنا أنجزنا أشياء جيدة أو لا فنحن ميتون ولكن بالنسبة لأولادنا وأحفادنا سيعني لهم هذا الشيء الكثير وهذا أمر يجب على الأقل أن يجعل الحياة أهم من الموت.