رغم السمعة السيئة للمسلمين في أمريكا، نجح أحد الأمريكيين المسلمين، واسمه كيث إيليسون، في انتخابات مجلس النواب.. لكن هذا النجاح أثار من الجدل داخل الولايات المتحدة ما يؤكد النظرة المتشككة التي يبديها الأمريكيون تجاه المسلمين.. وهذا ليس نتاج أحداث الحادي عشر من سبتمبر فقط كما قد يتبادر إلى الأذهان.. فالنظرة المتحيزة ضد المسلمين والعرب سبقت أحداث سبتمبر لكن هذه الأحداث عمقتها بشكل كبير..
ورغم أن هذا المسلم الذي فاز في الانتخابات التشريعية هو من الأمريكيين الأفريقيين الذين جاء أجدادهم إلى أمريكا قبل أكثر من قرنين في ظروف مأساوية وسجلها التاريخ كوصمة عار على الحضارة الغربية، إلا أن أي أمريكي أبيض مسيحي أو يهودي حديث العهد بالهجرة يمكن أن يزايد على هذا المواطن الأمريكي المنحدر من أصول أفريقية، خصوصاً أنه يدين بالدين الإسلامي.
وقد نشرت الصحف ووسائل الإعلام تصريحات لبعض المتشددين الأمريكيين البيض الذين هاجموا النائب المسلم.. ووصل الأمر ببعضهم إلى المطالبة بعدم تمكينه من استلام مهام عمله.. وزاد الأمر تعقيداً أن هذا النائب المسلم أبدى رغبته في أن يؤدي القسم على المصحف مثلما يفعل بعض النواب المسيحيين الذين يؤدون القسم على الإنجيل.
وقد يرى البعض أن هؤلاء المتشددين المسيحيين على حق حينما يعارضون وصول مسلم إلى مجلس النواب وأداءه القسم على المصحف وذلك قياساً إلى ما هو موجود في بعض الدول الإسلامية التي لا تتيح لأصحاَ الديانات الأخرى نفس الحقوق التي تتيحها لمواطنيها، وخصوصاً مواطنيها المسلمين.. لكن المقارنة ليست واردة حينما نعرف الفرق بين طبيعة تكوين الشعب الأمريكي الذي يتكون من مجموعات عرقية وثقافية متنوعة من المهاجرين القادمين من جميع أنحاء العالم وبين المجتمعات الإسلامية ذات التكوين المتناغم في معظم الأحيان.
ومع أنني لا أعرف مدى الحكمة من إصرار ذلك النائب على موقفه فيما يتعلق بالقسم على المصحف في بلد علماني وفي ظروف غير مواتية على الإطلاق بالنسبة للمسلمين في المرحلة الراهنة في أمريكا، إلا أن المعارضة القوية التي أبدتها بعض الفئات في أمريكا تدل على أن فكرة التسامح التي يفترض أن تسود المجتمع الأمريكي المنفتح ليست بالشكل الذي قد يتوقعه البعض.
إن الحديث عن التسامح حتى في أمريكا التي يُنظر إليها على أنها متسامحة جداً، لا يسلم من المبالغة.. فالإنسان - فيما يبدو - متعصب بطبعه رغم كل المساحيق الثقافية التي يتخفى خلفها كي يبدو متسامحاً.. وقد بدا هذا جلياً - على الأقل - في بعض دول أوروبا الشرقية التي ما أن نفضت عن نفسها الرداء الأيديولوجي حتى كشرت عن أنياب التعصب العرقي والثقافي.. وأبرز تلك الحالات ما رأيناه في البوسنة والهرسك وصربيا وكوسوفو وغيرها..