بثَّ القنال العاشر للتلفزيون الإسرائيلي وثيقة كان وَضَعها إهود أولمرت عندما كان وزيراً للصناعة والتجارة وأيضاً وزيراً للاتصالات، يفاخر فيها بأنه "خدم" أكثر من مئة من أعضاء مركز الليكود بإعطائهم وظائف، أو إعطاء وظائف لأقاربهم، أو خدمات أخرى.
وكانت إذاعة الخبر بمثابة قنبلة سياسية جديدة سلّطت سهام النقد والتشكيك والمطالبة بالتحقيق ضد رئيس الحكومة إهود أولمرت.
وفي هذه الوثيقة أسماء أعضاء مركز الليكود، وبجانب كل اسم –الخدمة العينية التي قدّمها الوزير أولمرت لرفاقه وأعوانه من حزب الليكود، قبل سنتين.
ونشرت الصحف أن أولمرت عندما ترك رئاسة بلدية القدس ، وانضم إلى الحكومة أراد أن يُنظِّم ويُعمِّق نفوذه في مركز الليكود، حيث أن أعضاء مركز الليكود هم الذين ينتخبون قائمة الليكود للكنيست، هم الذين يقررون التدريج في القائمة، وبالتالي هم يقررون عملياً، مَن يكون وزيراً ومَن لا يكون وزيراً.
كما هو معروف فإن تساحي هنغبي الذي كان وزيراً للشرطة، اضطر، نتيجة التحقيقات معه حول رشواته لأعضاء مركز الليكود والتعيينات الحزبية الواسعة التي قام بها، أن يستقيل من الحكومة وهو الآن رئيس لجنة الخارجية والأمن في البرلمان الإسرائيلي.
ولكن أولمرت، إذا جرى التحقيق معه وثبثت مصداقية هذه الوثيقة فلن يكون أمامه سوى الاستقالة، وكما هو معروف فطبقاً للقانون إذا استقال رئيس الحكومة تكون الحكومة كلها مستقيلة. وقد يجرّ هذا إلى انتخابات مبكرة.
أولمرت، حاول التخفيف من دوي هذه "القنبلة" السياسية- الفضائحية، وقال إنه فعل كل ما فعل طبقاً للقانون، ومن خلال التشاور مع المستشار القضائي، وبشكل عام فهو "لا يذكر كل التفاصيل"!!
ويقول المعلقون السياسيون في الإعلام الإسرائيلي يوم الخميس (1/3/2007) أن "الواسطة بالتعيينات" كانت في الحقيقة طول الوقت في الجهاز الحكومي كانت أيام حكم المباي (العمل) سنين طويلة، وكانت أيضاً أيام حكم الليكود. ولكن حالات "الواسطة" أو "الرشوة السياسية" كانت قليلة نسبياً.
وعندما صعد الليكود إلى الحكم، عام 1977 بانتخاب مناحيم بيغن رئيساً للحكومة، انفتحت شهية الليكود بأخذ المكاسب المادية، كما أنه أراد أن يغرس في الجهاز الحكومي أكبر عدد من نشطائه وأعضائه وقادته، حتّى لا يظل الجهاز الحكومي مزروعاً بالنشطاء السابقين لحزب العمل .
ولكن هذا النهج اتسع وتسارع وصار الليكوديين في مركز الحزب يبنون "مركز قوى" قادر على كل شيء، هم يرفعون وهم يخفضون، هم يقدِّمون وهم يؤخرون، هم يقررون مَن يصل إلى الكنيست وإلى الحكومة ومَن لا يصل.
وقامت في مركز الليكود عدّة مجموعات أشبه بالعصابات المنظمة، كل مجموعة تابعة أو على الأقل " متعاملة" مع وزير أو عدد من الوزراء. وهذه المجموعة هي "جيشه" الميداني في الساحة، في الفروع، وهي التي تعطيه الثقة أو تحجب الثقة عنه طبقاً لمسلكه وخدماته للمجموعة، خلال عمله كوزير أو كعضو كنيست.
وقد نشرت الصحف قصصاً مذهلة حول مشاركة أعضاء الكنيست في "أفراح" مئات القياديين وتقديم الهدايا الثمينة لهم، في زفاف أبنائهم وبناتهم أو أية مناسبات أخرى.
المركز لم يعد الإطار الذي يبحث القضايا السياسية والأيديولوجية والتنظيمية، بل أصبح "مافيا" ضاغطة تمارس الإرهاب ضد خصومها. ورأينا خلال سنتين من عهد شارون كيف كان "المركز" ضده، يُفشل اقتراحاته، وكيف كانت كتلة الليكود تُفشل أيضاً اقتراحاته، وكيف كانت كتلة الليكود في الكنيست تُفشل أيضاً اقتراحاته لتعديلات وزارية، طبقاً لأوامر ومصالح "المركز" القادر على كل شيء.
لذلك، وليس لأي سبب آخر، قام شارون بانتفاضة داخلية حين انفصل عن الليكود ودعا أنصاره إلى أن ينضموا إليه لتشكيل حزب "قديما". لقد نجح شارون في ذلك، ولكنه سقط صحياً، مما تطلب اختيار خَلَف له وتمَّ انتخاب إهود أولمرت. ولكن هذا فشل في المهمة، والحزب الجديد "قديما" حزب على الورق، بلا فروع، وبلا قيادات، وطبعاً بلا سياسة وأيديولوجيا!
ويبدو أن الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو قرر تصعيد الحملة ضد أولمرت وكشف فضائحه السابقة، عندما كان زعيماً في الليكود، حتّى لا يدّعي أنه يريد انتهاج سياسة "جديدة" ومسلكاً "جديداً" يختلف عن سياسة ومسلك الليكود.
الصحافة الإسرائيلية وكذلك المحللون السياسيون وخبراء العلوم السياسية في الجامعات يقولون إن مسلك الفضائح المتتابعة في النظام الإسرائيلي سياسياً واقتصادياً ومالياً يهدد باهتزاز عنيف للاستقرار السياسي. وبز الجميع البروفسور يتسحاق زمير عضو المحكمة العليا (المتقاعد) هذا الأسبوع، في مقابلة مثيرة جداً في هآرتس(2/3/ 2007) قال فيها : "تهديد الصواريخ من لبنان وسورية أو التهديد النووي من ايران يبدو لكل إنسان خطراً محدداً وملموساً. ولذلك ينظر الناس إلى هذا الخطر في خوف وقلق، ويطالبون بعمل شيء ما. مقابل ذلك، فإن الفساد يعمل في الظلام وأنت لا تراه والناس أقل وعياً لأخطاره". وقال يتسحاق شمير كأنما هو نبي غضب: "نحن مجتمع مريض، وعندما يكون المجتمع مفسوداً يكون الجيش مفسوداً، ينتشر الفساد في كل شرايين المجتمع. نحن مرضى، ومرضنا مهلك".