صدر مؤخراً بحث مثير أعده البروفسور شلومو سبيرسكي رئيس معهد "إدفا" للدراسات الاقتصادية والاجتماعية يتناول بالتحليل العلمي المتتابع خلال سنوات المبنى الطبقي والاجتماعي في إسرائيل واتجاهات تطوره، خلال السنوات الخمس الماضية.
والاستنتاج المركزي في هذا البحث الهام، هو: تقلص الطبقة الوسطى عددياً ووزناً اقتصادياً مقابل زيادة تركز الثروة الخيالية لدى الطبقة الرأسمالية الاحتكارية العليا في المجتمع الإسرائيلي .
ويقول البروفسور سبيرسكي إن هذا التطور الاحتكاري ليس جديداً، ليس وليد السنوات الأخيرة، فقط، فالاتجاه في العشرين سنة الأخيرة، هو التطور الاحتكاري وتركز المزيد والمزيد من الثروة في أيدي الطبقة الرأسمالية الكبيرة الاحتكارية.
ويقول سبيرسكي إن الطبقة الوسطى هي القوة الاجتماعية الرئيسية، وهي كلما نمت وزاد نشاطها الاقتصادي كلما دل ذلك على حيوية الاقتصاد ونجاحه. بينما تركز الثروة بشكل حاد في أيدي الطبقة البرجوازية الكبيرة الاحتكارية يكون عادة انعكاساً للاستقطاب الحاد، وكلما زاد غنى الطبقة الاحتكارية العليا زاد الإفلاس بين قطاعات من الطبقة الوسطى وزاد الفقر في الطبقة الدنيا في المجتمع. " إن الطبقة الوسطى –قال سبيرسكي- هي الطبقة التي تقدم قوة عاملة مهنية، عادة أكاديمية. وهي طبقة تدفع الضرائب حسب القانون بينما لا تأخذ مساعدات اجتماعية. كذلك فإن الطبقة الوسطى هي قوة استهلاكية هامة جداً في المجتمع، مما يسرِّع تطور عجلة الاقتصاد".
وحول ملامح الطبقة الوسطى في إسرائيل يقول الدكتور جوني غال من كلية العمل الاجتماعي في الجامعة العبرية في القدس: "عادة يجري الحديث عن زوجين كلاهما يعملان، أكاديميان، يعملان في وظيفتين جيدتين مع دخل جيد وهما يسعيان باستمرار للتطور المهني وتحسين ظروف الحياة والسكن وهي عائلة تستهلك استهلاكاً جيداً، وتدفع الضرائب والمخصصات بانتظام بدون مشاكل. الطبقة الوسطى تتركز بأغلبتها في منطقة الساحل، بين حيفا وتل أبيب، وهي عادة أشكنازية (يهودية غربية). اليهود الشرقيون قلائل والعرب، تقريباً غير موجودين فيها. بين الطبقة الوسطى تكثر المهن الحرة أو الوظائف العالية في جهاز الدولة الحكومي.
ويقول الدكتور غال: كلما اتسعت الطبقة الوسطى وزاد وزنها ونشاطها كان ذلك دليلاً على النمو الاقتصادي المتكافىء، بينما ما يحدث هو تركز متزايد للثروة في يد القشرة البرجوازية الاحتكارية العليا وتناقص عدد الطبقة الوسطى، وسقوط فئات من الطبقة الوسطى إلى الطبقات الشعبية الفقيرة.
ويقول البروفسور سبيرسكي إن الطبقة الوسطى تقلصت ليس فقط عددياً بل أيضاً من حيث إسهامها في ميزانية الدولة. فقد كان الإسهام، حتى ما قبل 7 سنوات 28 بالمائة من مداخيل جهاز الدولة وتناقص إلى 21 بالمائة فقط، والاتجاه هو الهبوط والمزيد من الهبوط.
وقد نقصت نسبة الطبقة الوسطى ب3 بالمائة، من 607 ألف عائلة إلى 570 ألف عائلة.
مقابل ذلك الملاحظ تماماً هو زيادة غنى الطبقة العليا، مع استمرار العملية الاقتصادية الاحتكارية. فقد زادت مداخيل الطبقة الاحتكارية العليا من 58 بالمائة من الإنتاج القومي العام إلى 66 بالمائة من الإنتاج القومي العام. وبطبيعة الحال، فقد كان لذلك مردود سلبي على الطبقة الوسطى، وأيضاً زيادة الفقراء والمعوزين وزيادة البطالة وأزمة السكن وعجز العائلات الفقيرة عن ضمان العيشة الكريمة حتى بشكل متواضع جداً.
ويقول البروفسور سبيرسكي إن المقارنة مع الدول الغربية تكشف التطور الاحتكاري والمشوه في إسرائيل، فبينما حصة الطبقة الوسطى في السويد 47 بالمائة، وفي النرويج 46 بالمائة، وفي ألمانيا 43 بالمائة وفي كندا 37 بالمائة وفي تايوان 36 بالمائة، وفي إسبانيا 33 بالمائة، وفي بريطانيا 32 بالمائة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 29 بالمائة، فإن الطبقة الوسطى في إسرائيل هبطت إلى 28 بالمائة، بينما كانت في الثمانينات من القرن الماضي في حدود 45 بالمائة.
ويقول معدو هذا البحث الاجتماعي الهام إن الدولة تقلل سنة بعد سنة من مسؤولياتها الاجتماعية المباشرة، تقلل من الدعم (السوبسيديا) للطبقات الفقيرة وتقوم بعملية خصخصة واسعة لشركات ومؤسسات تصبح ملكاً للطبقة الاحتكارية وعندها يقل الاهتمام الاجتماعي بالشعب مقابل سعي الطبقة العليا إلى الغنى والربح.
ويقول البحث إنه رغم النظام الديمقراطي الغربي، فان الثروة الأساسية في يد الطبقة العليا أغلبها في أيدي اليهود من أصل غربي، كما أن الطبقة الوسطى أغلبها من الغربيين، بينما اليهود الشرقيون أكثريتهم من الطبقات الدنيا، وطبعاً العرب كذلك.
فعند العرب في إسرائيل أكثر من 54 بالمائة من الناس "تحت خط الفقر" وفي النقب حيث يعيش القطاع البدوي من العرب 65 بالمائة تحت خط الفقر.كما أن البطالة التي تصل إلى 8 بالمائة من قوة العمل تتركز كلها عند الطبقة الشعبية الفقيرة، وتصل عند العرب إلى حوالي 25 بالمائة من قوة العمل العربية.
وقد تقلصت في السنوات الأخيرة المخصصات الحكومية لدعم الفقراء والمحتاجين والكهول، كما تقلصت القيمة الشرائية للمعاشات. إن الدولة حين تدَّعي أنها ستقلل "التدخل في الاقتصاد" تقصد فعلياً: تقليص ووقف الدعم للطبقات الفقيرة والشعبية والعاطلين عن العمل، وتحولها إلى جهاز دولة في خدمة الاحتكارات الإسرائيلية والأجنبية.
ومن الحقائق الصارخة المرافقة لهذا التطور زيادة الفساد الاقتصادي والسرقات والرشوات في الجهاز الحكومي على كل المستويات، وتقوم الشرطة بالتحقيق مع مئات الشخصيات المفتاحية في جهاز الدولة والاقتصاد بتهم الرشوة، بينهم وزراء وموظفون كبار في الجهاز الحكومي.
وفي إحصائية حول توزيع الثروة في نهاية عام 2006 يتبين ما يلي: الطبقة العليا زادت حصتها من الدخل العام للدولة من 58.2 بالمائة إلى 65.5 بالمائة، الطبقة الوسطى نقصت حصتها من27.9 بالمائة إلى 21.1 بالمائة، الطبقات الشعبية الفقيرة نقصت من 13.9 بالمائة إلى 13.4 بالمائة
بين المقولات الصهيونية الراسخة جداً القول: "كل اليهود أخوة". أما في الحقيقة وعلى أرض الواقع فالأغنياء أغنياء والفقراء فقراء وكل الشعارات الديماغوغية هي للتخدير وللضحك على الذقون