ويردد بعض المسؤولين الإيرانيين، مقولة أن الولايات المتحدة اضطرت إيران في اتجاه روسيا، وهذا يتسق مع التطورات الأخيرة. ومن جانب آخر، فإن إيران هي الدولة الوحيدة المحتملة المنافسة لروسيا في مجال ضخ الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وعليه، يرى بعض المراقبين، أن موسكو لا تريد أن تقترب طهران من أوروبا، إلى الدرجة التي قد تقلل من اعتماد أوروبا على غازبروم الروسية.
من المتوقع أن يوافق مجلس الأمن للاتحاد الروسي ومجلس الدولة على وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الجديدة حتى العام 2020م. ومن دون تسميتها (الولايات المتحدة)، فإن مشروع الوثيقة، يحدد بوضوح الولايات المتحدة، المنافس الرئيس لروسيا خلال العقد المقبل.
والمؤكد أن المحور الرئيس للتنازع، سيتركز حول النفط والغاز، في مناطق معينة، وتحديدا في منطقة "الشرق الأوسط" وآسيا الوسطى. في هذه المناطق، وفقا لهذه الوثيقة، فإن النزاع قد يتطور إلى مواجهة عسكرية.
يُذكر أن آخر وثيقة لإستراتيجية الأمن القومي في روسيا، اعتُمدت في عام 2000م، وكانت أكثر تعميما فيما يتعلق بالأهداف الأمنية للاتحاد الروسي، إذ المشروع الجديد أكثر تركيزا، ويعطي مؤشرات على اتجاهات السياسة في المستقبل.
فما عادت المسألة بالنسبة للولايات المتحدة، تأييد أو عدم تأييد روسيا فرض عقوبات إضافية على ايران، فهذا لن يحدث، إذ تتجه روسيا نحو جعل ايران شريكا إستراتيجيا في مواجهة الولايات المتحدة في مناطق التوتر بين الجانبين.
ويبدو أن الولايات المتحدة سقطت في فخ افتراض أن روسيا لا ترغب في امتلاك إيران أسلحة نووية، فالمسؤولون الروس يكررون مقولة أنه لا توجد لديها أدلة على أن ايران تمتلك برنامجا للأسلحة النووية،وهو اعتمده المسؤولون الأمريكيون لبيان افتراضهم، فالولايات المتحدة بحاجة إلى أن نتذكر أن روسيا لديها من المهندسين النووين داخل إيران يعملون مع الإيرانيين.
وهناك ثلاث قرائن تشير إلى وجود شراكة إستراتيجية بين موسكو وطهران: محطة الطاقة النووية في بوشهر، وصواريخ اس 300، ومصفاة في أرمينيا:
العمل على مفاعل بوشهر النووي، اعتراه تأخير مستمر، حتى ساد انطباع بأن روسيا تتلكأ لغرض ما. ومع ذلك، يبدو أن روسيا قد تجدد الالتزام بالعمل، حيث أعلنت مؤخرا أنها تخطط لإرسال حوالي 3000 فنيين إلى إيران. ومن الصعب القول بأن روسيا لديها مصلحة في فرض عقوبات على إيران بسبب تخصيب اليورانيوم.
ورغم أن نظام الصواريخ لم يتم تسليمه، فإن الروس يعرفون أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تريدان تعزيز إيران بقدرات الدفاع الجوي، وقد بيعت صواريخ اس 300 إلى الإيرانيين. ويبدو أن روسيا قد مضت قدما في هذا الخيار، ولهذا لا معنى لمشاركتها في معاقبة إيران لعدم تعليق برنامج تخصيب اليورانيوم. أما مصفاة النفط في أرمينيا، فليست ذات أثر كبير، ولكن لها معنى. في حين، يردد بعض المسؤولين الإيرانيين، مقولة أن الولايات المتحدة اضطرت إيران في اتجاه روسيا، وهذا يتسق مع التطورات الأخيرة.
ومن جانب آخر، فإن إيران هي الدولة الوحيدة المحتملة المنافسة لروسيا في مجال ضخ الغاز الطبيعي إلى أوروبا. ويرى بعض المراقبين، أن موسكو لا تريد أن تقترب طهران من أوروبا، إلى الدرجة التي قد تقلل من اعتماد أوروبا على غازبروم الروسية.
والآثار المترتبة على إستراتيجية الأمن الروسية الجديدة وعلى تطور العلاقة مع إيران، مهمة. فالحوافز المعروضة على إيران للموافقة على أي شيء، كنتيجة للمباحثات والأحاديث (المباشرة وغير المباشرة) بين طهران وواشنطن، تبدو الآن أقل قيمة بالنسبة للإيرانيين. فهم لم يغيروا سلوكهم رغم أكثر من 30 عاما من العقوبات، كما أنهم شكلوا مع الروس شراكة إستراتيجية، ولا يوجد أي سبب يدعو للاعتقاد بأن العقوبات الجديدة ستكون فعالة.
ومن التداعيات، التباين الواضح بين رؤية الولايات المتحدة وإسرائيل في التعامل مع روسيا، وهذا ما يجعل تحقيق تقدم مع كل من إيران وغيرها من القضايا الملحة في المنطقة، أكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة.
وأمر العلاقات لم يحسم بعد، إذ حتى لو كان الروس يرغبون في الانتقال إلى إقامة شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة، فإن إيران قد يسيئها مثل هذه العلاقات. ولهذا يشك الإيرانيون في روسيا، وهم في الأخير، يطمحون لأن يشكلوا قوة مستقلة، وليست تابعة لموسكو.
والجديد في وثيقة إستراتيجية مجلس الأمن القومي الروسي، أنها موجهة لتغيير المعادلة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، أما كيف سيكون رد فعل واشنطن، فهذا محل تخمينات وتكهنات.