مثلما كان متوقعاً، فشلت تسيبي ليفني في تشكيل حكومة جديدة، والوضع في اسرائيل أصبح متجهاً إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة في غضون ثلاثة أشهر.
لقد ركزت الأنباء على حركة شاس باعتبارها كانت معرقلا لقيام ائتلاف حكومي بسبب شرطيها: ان لا تكون القدس موضوعا للبحث بين اسرائيل وأي من الفلسطينيين أو العرب. والشرط الثاني: تخصيص مليار ومئتي ألف شيكل، كزيادة في مخصصات المتدينين في اسرائيل. ليفني بدورها رفضت الشرط الأول، ووافقت على نصف المبلغ الذي طلبته شاس.
موافقة ليفني على ألا تكون القدس موضوعا للمفاوضات تعني حرمانها التام من المناورة السياسية مع الفلسطينيين والعرب، في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات داخل اسرائيل لمناقشة (مبادرة السلام) العربية والرد عليها. بالمعنى الحقيقي فإنه لا خلاف بين موقفي ليفني وشاس من موضوع القدس. فهي بالنسبة لتوحيد وأبدية كون القدس عاصمة لإسرائيل، من المتشددين الصقور في هذا المجال، الأمر يتعلق فقط بالمناورة السياسية البحتة.
من الأسباب الحقيقية لفشل ليفني، هي اتفاقها الموقع بالأحرف الأولى مع باراك زعيم حزب العمل، الذي أيضا سينتقص من مسؤوليتها كرئيسة للوزراء فيما لو تم تشكيل الائتلاف، فالاتفاق مليء بالثغرات، وقد أسهبت الصحافة الاسرائيلية في تناول هذه النقاط، وإمكانية تأثيرها على مستقبل العمل في الحكومة المرتقبة، فتوقع البعض من المحللين السياسيين أن لا تمضي ليفني قُدما في التوقيع النهائي مع شريكها باراك، أو أن الحكومة في حالة تشكيلها ستكون أمام مواجهة صدامية في أقرب فرصة، وستكون بحاجة الى إحالة قضايا تفصيلية كثيرة على محكمة العدل العليا لقول الرأي بشأنها، ومن هذه البنود ما يأتي:
١ـ البند المتعلق بصلاحيات تسيبي ليفني وينص على »أن رئيس الوزراء لن يستخدم صلاحيته القانونية لتجريد وزراء ونواب وزراء من حزب العمل من مناصبهم دون موافقة رئيس حزب العمل«. بالمعنى الفعلي فإن هذا البند يجعل من باراك شخصية موازية في بعض الجوانب لرئيس الحكومة.
٢ـ البند المتعلق أيضا بصلاحية ليفني وينص على »أن رئيس الوزراء سيستخدم صلاحياته القانونية لتغيير مناصب وصلاحيات وزراء ونواب وزراء من حزب العمل، بطلب من رئيس الحزب«. بمعنى أن ليفني وكديما سيكونان دوماً عرضة لابتزاز حزب العمل.
٣ـ البند المتعلق »بإلزام الحكومة بتقديم اقتراح قانوني حكومي فور إقامتها من أجل تمكين رئيس الكتلة الأكبر في المعارضة من أن يصبح رئيسا لهذه المعارضة حتى وإن لم يكن عضواً في الكنيست«. وهذا البند ذو طابع شخصي ويهدف الى منح باراك، الذي ليس عضواً في الكنيست، مكانة في حال خروج كتلته من الائتلاف ليكون جزءاً من العملية البرلمانية، وهذا من وجهة نظر الخبراء القانونيين الإسرائيليين يمس بأركان وأنظمته الحكم في اســرائيل، ومعــروف أن زعيم المعارضة الحالية هـو بنــيامين نتنــياهو، رئـيس حزب الليكود.
ومن أسـباب فشل ليــفني في تشكيل حكومتها أيضا:
ـ الوعود التي قطعها نتنياهو لزعامة حزب شاس، بموافقته في حال فوز حزبه في الانتخابات على طلبي شاس بالكامل، شريطة أن لا يدخل الأخير في ائتلاف حكومي بزعامة ليفني، الأمر الذي ساهم فعليا في فشلها.
أمام هذا الوضع، الذي ستواجه فيه ليفني ابتزازاً دائماً ممن تعتبرهم حلفاءها الرئيسيين، كان من الأسهل عليها الاعتذار عن مهمتها والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، وبذلك تحقق ما يأتي:
أولا: إمكانية تعزيز عدد مقاعد حزب كديما في الكنيست، وبالفعل فإن نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت في اسرائيل، أكدت فوز ليفني وحزب كديما في الانتخابات، وذلك مباشرة بعد اعتذارها عن الاستمرار في السعي لتشكيل حكومة، بعدما كانت كل نتائج استطلاعات الرأي سابقا ترجح فوز بنيامين نتنياهو وحزبه (الليكود) في الانتخابات.
ثانيا: الظهور بمظهر (الزعيمة) التي لا تخضع للابتزازات السياسية، وبخاصة من قبل الأحزاب اليمينية الدينية، وهذه المسألة لها تأثيراتها الايجابية في الشارع الإسرائيلي وبخاصة لدى أصحاب التوجه العلماني، وسيعتبر ذلك إشارة إلى عدم خضوعها مستقبلا لما يُفسّر »ابتزازات« سياسية اسرائيلية للفلسطينيين أو العرب في أية مفاوضات مستقبلية معهما، وخاصة بالنسبة للاءات الاسرائيلية المعروفة (وهناك شبه إجماع إسرائيلي على معظمها) في ما يتعلق بالحقوق الوطنية الفلسطينية أو الأخرى لبعض الأطراف العربية.
إضافة الى أنه من المبكر تماما الحديث عن أية نتائج صحيحة ودقيقة لاستطلاعات الرأي الاسرائيلية، التي ستجرى بعد (٩٠) يوما على وجه التقريب، ذلك أن هذا الأمر مرهون بالأحداث السياسية الاسرائيلية داخلياً، وبما قد يدور سياسياً وعسكرياً مع المحيط الفلسطيني والعربي، وبالأوضاع الاقتصادية الاسرائيلية والتأثيرات الكمية والنوعية لإشكالات الاقتصاد العالمي على التشكيلات السياسية الحزبية الاسرائيلية وهي عرضة للتأثير الدائم والتأثر ايضا، إضافة الى قدرة الأحزاب على ضم الشخصيات المهمة (وبخاصة الجنرالات) الى أحزابها وقوائمها للانتخابات، مما يعطي بعداً مفتوحاً لنتائج هذه الانتخابات. .......نور