الهبوط من الجنة
و قهقه ابليس عاليا . و أخذ يرقص فرحا و سعادة . فقد تحقق له غرضه و استطاع أن يغوى " آدم " و زوجته و يخرجهما من الجنة
و اقترب ابليس من " آدم " يقول له : لقد ظننت أنك أفضل منى و انك ستكون بعيدا . فانظر كيف استطعت أن أخرجك من هذا النعيم الذى أنت فيه
و زالت الغشاوة عن عين " آدم " و عرف انه وقع فى خديعة هذا الشيطان اللعين
و عرف " آدم " انه لا نجاة له من هذا العدو الا باللجوء الى الله . فأقبل على ربه يستغفر و يعتذر . و رفع هو و زوجته الى الله أكف الضراعة قائلين :
{ ربنا ظلمنا أنفسنا و ان لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين } الأعراف 32
و لكن الله كانت قد سبقت كلمته .. فقبل اعتذار " آدم " و " حواء " . و تاب عليهما . و لكنه أمرهما بالهبوط الى الأرض لتتم حكمته فى الاستخلاف فيها
قال الله لهم جميعا : { اهبطوا بعضكم لبعض عدو }
و منذ ذلك الوقت اشتدت العداوة بين الانسان و الشيطان و بين الانسان
كانت الحية فى الجنة خادما " لآدم " تسرع فى امتثال أمره فلما نزلت من الجنة انقلبت الى عدو مبين . و توارث الأبناء هذا العداء . فما يرى احد الحية الا و تكشر عن انيابها و تقصد اليه بالأذى
أين هبطوا
هبط " آدم " و " آدم " و ابليس و الحية من الجنة متفرقين .. هبط " آدم " فى جزيرة ( سرنديب ) و هى التى تسمى الآن ( سيلان ) حيث تشتهر بالشاى
و كان عليه حين نزل ورق الجنة . فبعد ان جف هذا الورق و أخذ يتناثر هنا و هناك و حملته الريح فانتشر فى أماكن متفرقة فى أرض الهند و كان هذا سببا فى كثرة أشجار الطيب فى هذه الأماكن
لقد نبتت فى بلاد الهند أشجار العود و القرنفل و ظهر فيها المسك و اكتسبت جبالها نضرة . و لمعت فيه اليواقيت و كثر الماس . و يوجد فى جزائرها المنبثة هنا و هناك كثير من أنواع الأحجار الكريمة . و من بحارها يستخرج اللؤلو و المرجان
و هبطت " حواء " فى مكان على شاطيئ دجلة من أرض العراق
و هبطت الحية فى مكان بأرض خراسان
ما السر فى هبوط " آدم " من الجنة
لقد اراد الله تعالى أن يعمر الأرض بالبشر الذين يتناسلون من " آدم " و ذريته . و ان يجعل فى الأرض منهم خليفة كما أخبر بذلك ملائكته
و ذلك لا يتم و " آدم " فى الجنة فكان لا بد ان يهبط منها . و لا بد من وجود سبب لذلك . فكان الأكل من الشجرة سببا لذلك
كانت سكناه فى الجنة تشريفا له و تكريما بعد ان أسجد الله له الملائكة . و لم تكن سكناه فيها أبدية خالدة وهو فى الدنيا . لقد اراد الله ان يعرفه بها و يذيقه حلاوتها ليتثير شوقه اليها
فيعمل هو و ذريته من اجلها . ثم تكون له و لمن يستحقها منهم و فى الآخرة دار اقامة خالدين فيها أبدا كما أخبر بذلك القرآن الكريم
توبة الله على " آدم "
و لم يكن اخراج " آدم " من الجنة عقوبة له . لان الله الهمه التوبة فتاب . فتاب الله عليه . و قد حكي القرآن الكريم ذلك قائلا
{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا فاما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون } البقرة : 37 - 39
و كانت الكلمات التى تلقاها فيما يرويها بعض العلماء
( اللهم لا اله الا انت . سبحانك و بحمدك
رب انى ظلمت نفسى . فاغفر لى . انك خير الراحمين
اللهم لا اله الا انت . سبحانك و بحمدك
رب انى ظلمت نفسى فتب علي انك انت التواب الرحيم )
" آدم " يكدح فى الأرض
و نظر " آدم " فوجد نفسه وحيدا مسئولا عن قوته بعد ان كان كل شيئ فى الجنة امامه حاضرا دون ان يطلب
فاخذ يفكر فى طعامه و شرابه و لباسه . فألهمه الله كيف يعمل و كيف يجد و كيف يزرع و يحصد و كيف يجمع الثمار و يجز الصوف و ينسج الثياب
كان الله قد زوده عند هبوطه من الجنة بصرة فيها حبوب . و بقضبان من أشجار الجنة
كانت الحبوب هى حبوب القمح . و كانت القضبان تجمع أصناف الثمار كالجوز . و اللوز . و البندق . و الفستق . و الموز . و الخوخ . و المشمش . و الرطب . و النبق و غيرها
فزرع " آدم " البذور و القضبان . فنبت الزرع و نمت الأشجار و ازدهر المكان
و كان " آدم " طويلا فائق الطول . يقدر طوله بستين ذراعا
و قيل ان الله أهبط اليه حبريل يعلمه كيف يزرع فزرع . و أعطاه ثورا أحمر يحرث عليه الأرض . و كان يمسح العرق عن جبينه من شدة الارهاق و التعب
و استوى الزرع . فحصد و درس
ثم نقى القمح و طحنه ثم عجن و خبز . كل ذلك يعلمه جبريل عليه السلام
و ياقل حين زرع " آدم " نبت الزرع فى الحال . و ظهر سنبله و أدرك القمح من يومه . فعلمه جبريل كيف يحصد . و درس و ذرى فى الهواء
و اشتد الجوع " بآدم " . فقال لجبريل : آكل ؟
قال جبريل : اصبر ثم قطع حجرين من الجبل . فجعلهما رحى فطحن بهما القمح
فلما صار دقيقا قال " آدم " لجبريل : آكل ؟
فقال له جبريل : اصبر . ثم علمه كيف يعجن فعجن . و كيف يخبز فخبز
فلما نضج الخبز . قال " آدم " لجبريل : هل آكل ؟
فقال له : اصبر ، حتى تغرب الشمس ، فيتم لك صوم يوم كامل .
فكان " آدم " أول من صام في الارض.
وهكذا كان رزق " آدم " يأتيه بعد كدح وتعب ، وكان الله قد حذره ذلك حين كان في الجنة قال له : { يا آدم ان هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشفى } .
والشقاء هو الهم والسعي والتعب والمشقة في تحصيل الرزق ، وقد توارث بنو " آدم " عن ابيهم " آدم " هذا السعي في سبيل الرزق ، وخير الرزق ما كان من كسب الانان وجده وعمل يده .
" آدم " يبحث عن " حواء " :
عرفنا مما سبق أن " آدم " هبط في بلاد الهند ، وحواء هبطت في جدة .
وبينهما مسافات شاسعة . وهو لا يعلم مكانها وهي لا تعلم مكانه .
وفي يوم سأل " آدم " جبريل : هل " حواء " على قيد الحياة ؟
فقال له جبريل : نعم ، وهي أصلح حالا منك ، انها على ساحل البحر تصطاد الاسماك وتأكلها ..
قال " آدم " : اني رأيتها في منامي الليلة .
قال جبريل - عليه السلام - ابشر ، فما أراك الله اياها الا لقرب الاجتماع بها .
وكان الله قد أوحى الى " آدم " : يا " آدم " ان لى حرما تجاه عرشي .فأذهب اليه وطف به كما تطوف الملائكة حول العرش ، وصل عنده كما تصلي الملائكة عند عرشي .
وكان الله قد أنزل ياقوته من يواقيت الجنة ، ووضعها موضع البيت على قدر الكعبة ، لها بابان ، وفيها قناديل من نور ..
فانطلق " آدم " من أرض الهند متجها الى مكة حيث يوجد هذا البيت ، وبعث الله معه ملكا يرشده في طريقه اليه .
فكان كل موضع يضع " آدم " قدمه فيه يعمر ، ويصبح مدينة عامرة ، وكل مكان يتخطاه يكون قفرا .
حتى وصل الى عرفات .
وكانت " حواء " قد اتجهت الى هذا المكان تاركة ( جدة ) وفي عرفات تعارفا ، فسمي هذا المكان ( عرفة ) لذلك ... ومن عرفات توجها معا الى ( منى ) .
وسمى هذا المكان ( منى ) لانه قيل " لآدم " فيه : تمن . فقال : أتمنى المغفرة والرحمة . فغفر الله لهما ذنبهما ورحمهما وأكد توبتهما فسمى المكان ( منى ) لأن المنى تحققت فيه .
وبعد أن حج " آدم " و " حواء " البيت وطافا به وصليا عنده اتجها معا الى الهند حيث كان يقيم " آدم "