الساكت والمسكوت عنه!محمود نافع

نصدق مَن في قضية هايدلينا.. المركز القومي لنقل الدم والذي أكد أن العبوات والأكياس غير صالحة وأنها قد تسبب آلاماً مبرحة للمرضي وربما وصل الأمر إلي سرطان؟!.
أم وزارة الصحة التي قالت من البداية: إن المواصفات غير متطابقة. ثم أحالت الأمر برمته إلي التحقيق؟!.
أم نصدق لجنة الصحة بمجلس الشعب والتي أكد تقريرها أن كله تمام. وأن هاني سرور بريء من الدم وأكياسه كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب. وأن المشكلة ريما كانت في التخزين. أو أنها تعرضت للإتلاف العمدي. وأن الحكاية كلها تصب في خانة تشويه الصناعة المصرية لصالح الشركات الأجنبية؟!.. ليس هذا فقط بل طالب التقرير بمعاقبة الدكتورة فاتن مفتاح مدير مركز نقل الدم قانونياً لأنها أثارت البلبلة والشك في منتج مصري وشوهت صورته لأمر في نفس يعقوب!.
ولكن النائب العام قطع الشك باليقين بعد تحقيقات طويلة ودقيقة.. فقد تم إحالة هاني ممدوح محمد سرور صاحب ورئيس مجلس إدارة شركة هايدلينا وشقيقته نيفان سرور والعضو المنتدب بها واثنين من مسئولي وزارة الصحة لمحكمة الجنايات.
إيه الحكاية.. وما معني التطبيل و"الزمبليطة" التي أقامتها لجنة الصحة بمجلس الشعب الأسبوع الماضي والتي تضم أعضاء نفخر بهم ونحترم ثقلهم ومكانتهم. وقد أكد هؤلاء أنهم زاروا المصنع وتفقدوه ورأوا منتجاته وقالوا بعد أن أقسموا علي المصحف. ووضعوا الخبز علي جباههم: إن المنتجات عالية الجودة ومطابقة لكل المواصفات العالمية وأننا لو لم نكن مصريين لوددنا ذلك لأننا نتشرف ونفخر بأن تكون في مصر صناعة بهذا القدر من الإتقان والجودة!!..
كل هذا وأكثر قاله أعضاء اللجنة. لدرجة أنني قلت: إن صحة المصريين دخلت في مرحلة تصفية الحسابات بين الكبار. وبالتالي لابد أن نعرف الحقيقة.. وهل بالفعل هاني سرور بريء وأن هناك بالفعل أناساً يسعون بشتي السبل لضرب الصناعة والمنتج الوطني أم أن الحكاية فيها "إنَّ" وأن المطرمخين يريدون أن يغلقوا الملف ويفضوا الليلة من أجل مجاملة هاني سرور. وبالتالي فالأسهل أن يضحوا بالمواطنين الغلابة من أجل أن يخرج الرجل منها خروج الشعرة من العجين. عملاً بمقولة الفيلسوف "نيتشة" والذي يحبذ ويفضل موت الآلاف فداء لشخص واحد عظيم؟!..
لكننا نكتشف أن "نيتشة" الخواجة كان أرحم وضميره أرحب. إذ رأينا أن نضحي بالملايين من البشر. يموت منهم من يموت. ويصاب بالداء والأمراض من يصاب. فداء لشخص واحد أردنا أن نقل له: علشان ما تكبر وتكبر وملياراتك تنمو وتنمو لابد وأن نغمض عيوننا عن ضحاياك من البشر. فهم في النهاية هاموش وليس لهم قيمة!.
ولكن تحقيقات النائب العام كشفت المستور وأعلت الحقيقة إنصافاً للشعب وليس إرضاء لفرد. مؤكدة أنه لا أحد فوق القانون. ولا أحد علي رأسه ريشة ولا أحد اسمه مسنود. أو من فصيلة بارم ديله. فالكل في النهاية سواسية ولا فرق بين مواطن وآخر إلا بمدي التزامه بالقانون.. من أجل هذا شملت التحقيقات سؤال جميع الأطراف ذات الصلة بوقائع الدعوي من مسئولي وزارة الصحة وجميع أعضاء لجان الترسية والبت والفحص والاستلام الذين أفادوا وأقروا بالمخالفات خاصة فيما يتعلق بإتمام الترسية دون تحقيق. شرط السلامة واستلام قرب الدم دون فحص فني اكتفاء بالفحص الظاهري.
أكد أيضاً في التحقيق أعضاء اللجان الفنية من جامعات القاهرة وطنطا والزقازيق والمنصورة وأسيوط. علي وجود عيوب فنية في الأكياس الموردة تتمثل في زيادة درجة استطالة المادة المصنع منها القرب مما يؤدي إلي تعرض المتبرعين للإغماء لزيادة معدل تدفق الدم عن المعدل الطبيعي وحدوث تجلطات بالدم وتعرض القرب للانفجار أثناء فصل مكونات الدم. وزيادة تركيز الكلورايد في الخامة عن الحد المسموح به وزيادة نسبة القلوية الكلية عن المعدل القياسي مما يؤدي إلي تكسير كرات الدم وفقدان الدم لخواصه. وتسرب سائل منع التجلط من حواف القرب وقلة حجم السائل داخلها وتغير لونه ووجود ميكروبات وفطريات وعفن داكن بداخل القرب وانبعاث رائحة من بعضها. مما يؤدي إلي تسلل البكتيريا إلي دم المريض وإصابته بتسمم بكتيري قد يؤدي إلي الوفاة..
كما أن قصر طول اللَّيْ وسهولة إزالة الأرقام الموجودة عليه وعدم مرونته ووجود انثناءات به مما يؤدي إلي عرقلة سير الدم وينتج عنه وجود جلطات!.
أيضاً فإن سماكة سن الإبرة ووجود تموجات وخشونة به يؤدي إلي إيلام المتبرعين وتكسير كرات الدم الحمراء ويفقد الدم خواصه الطبيعية والتصاق القرب الثنائية ورداءة بطاقات البيانات وسهولة نزعها وتمزقها. مما يؤدي إلي تعذر تمييز الدم المجمع داخل القرب وصلاحية استخدامه. وكل تلك العيوب ناتجة في النهاية عن عدم مطابقة الخامات المستخدمة للمواصفات القياسية وسوء التصنيع.
هذا كله في قرار النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود. الأمر الذي يجعلنا نتساءل: متي نحترم آدمية المصريين ومتي تستيقظ ضمائرنا تجاههم؟!..
سألت الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء : كنت أكثر المتزعمين للدفاع عن هاني سرور. وقد أكدت لجنة الصحة بمجلس الشعب أن هايدلينا تمام التمام. وأنه لو كان هناك عيب فهو في المواطن المصري الذي لا يعجبه العجب!..
أجاب: طبعاً لا يحق لي أن أعلق علي كلام النيابة. لكن أريد أن أسأل: أين الجناية هنا؟!.. فلا توجد أموال أهدرت. وقد أكدت لجنة أبوالعينين أن مليماً واحداً لم يهدر ولا توجد شبهة رشوة. وأنه لا يوجد مريض واحد مات أو أصيب من بين 32 ألف شخص. كلها إذن مخالفات إدارية تحكمها المحكمة الإدارية. وتبت فيها......
إلي هنا وأسكت عن الكلام المباح.. ولكن وقبل السكوت أسأل: إلي متي سيظل كل ما يهم المواطن وصحته وهمومه مسكوتاً عنه.. ولمصلحة من يكون هناك ساكت ومسكوت. وبينهما ساكت؟!..
مرة واحدة نريد أن نري الشفافية التي يتحدثون عنها!!..