اليابان "العقيم" ومصر"الولادة"!

في كل مرة يرحل فيها واحد من المشاهير في مصر، تجد المسئول الكبير "سيد بيه السيد" الذي يذهب لتقديم واجب العزاء لأهل الفقيد يظهر بالبدلة السوداء والنظارة السوداء برضه يتنحنح- يكح يعني!- ثم يقول لكاميرات التليفزيون وميكروفونات الإذاعة بصوت يملأه الأسى: "فقدت مصر اليوم واحدا من أغلى وأعز الرجال.. لكن هذا هو قدر الله الذي لارد فيه.. ومصر طول عمرها "ولادة" وسيخرج من أرضها آلاف الزهور المتفتحة.. حتى شموا!"
وبغض النظر عن صدق الرجل من عدمه في رثائه للراحل، إلا أنه يقول حقيقة مهمة جدا وهي إن مصر ولادة فعلا - بتولد كتير يعني!- وبالبرغم من حملات تنظيم الأسرة التي تزعمتها طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات المنقضية الفنانة "كريمة مختار" فإن الأثر الذي خلفته لم يكن كبيرا.. بل إنه حتى بالرغم من تراجع حالات الزواج في مصر بسبب الحالة الاقتصادية الهباب لكثير من الشباب- تنفع والله مطلع أغنية لـ"شعبان عبدالرحيم"!- إضافة إلى مغالاة كثير من الأهل في طلباتهم لبناتهم، والبطالة المنتشرة.. إلى آخر هذه الأسباب التي يعرفها كل واحد خريج جامعة، فإن معدل المواليد في مصر لايزال مربوطا على طفل جديد كل 27 ثانية..

والغريب أنه رغم كل المحاولات المنظمة لقتل المصريين بدءا من سرطنة الخضروات والفواكه -برعاية حكومية أصيلة- ونهاية بتلوث الهواء ومياه الشرب اللذين يقدمان باقة منتقاة من الأمراض القاتلة- دعك من حوادث السيارات والقطارات والعبارات-، فإن المصريين لايزالون مستعصين على الانقراض والفناء، ولايزال معدل المواليد يفوق معدل الوفيات إذ يصل الأول سنويا إلى 1.3 مليون تقريبا، بينما الثاني لا يزيد عن مائة ألف تقريبا.. وفي كل دول العالم فإن هذه الزيادة السكانية تقابل بـ"زغاريد" وأفراح وليالي ملاح لأنها تعني زيادة الطاقة البشرية التي هي ركن أساسي في أي تنمية "ده للناس اللي عاوزة تنمو يعني!"، لكن هذا لايحدث في مصر بل إنك ربما تجد نفس المسئول إياه - اللي لسه كان بيعزي من يومين وبيتكلم عن أن البلد ولادة!- طالع في التليفزيون وهو مكشر والدخان طالع من مناخيره وهو بيقول "السنة دي عدد سكان مصر عدى الـ72 مليون.. والصراحة ده عبء على الدولة، ومش عارفين هنأكِّل الناس دول منين، ولاّ ندخّل ولادهم مدارس ازاي! ولاّ حتى هنجيب لهم التطعيم بتاع شلل الأطفال ازاي.. خفوا بقى شوية من الخلفة دي!".

ده حال مصر "الولاّدة".. طيب تعال كده نبص على دولة جنبنا بتاع كام ألف كيلو ونعرف حالها بعد أن أصبحت "عقيمة"!أما الدولة فهي اليابان -وهي طبعا من دول العالم مابعد الأول!- وأما العقم فإنه يسبب لها هلعا وذعرا وفزعا لدرجة أن أحد المراكز البحثية الأمريكية -أيوة أمريكي لأنه لازم تتابع شئون الدول المنافسة لها.. المنافسة واخد بالك!- توقع أنه لو استمر معدل المواليد الياباني في الانخفاض كما هي الحال الآن؛ فإن آخر مواطن ياباني سيموت عام 2800، وخلاص بعدها مش هيبقى هناك يابان بعد كده! كل هذا لأن معدل الولادة أصبح هناك يصل إلى 1.26 لكل امرأة!و ذلك بسبب تراجع معدلات الزواج وميل الشباب الياباني للتركيز على جانب العمل في حياتهم.

سبحان الله.. في مصر زيادة المواليد "كارثة" وفي اليابان قلة المواليد "مصيبة".. لكن السؤال هنا هو كيف تعاملت كل دولة مع "كارثتها" و"مصيبتها"؟!في مصر لايزال المسئولون فيها يولولون ويشجبون وينددون وسعداء بافتتاح كوبري ومستشفى ومدرسة لمواجهة الزيادة السكانية، دون أي خطة للاستفادة من الناس الكتير اللي موجودين في القهاوي والمدارس والجامعات، والذين لو لم يتم الاستفادة منهم بشكل إيجابي، وإذا لم يجد أحدهم معاملة آدمية؛ فما أسهل أن يتحول إلى قنبلة زمنية تنفجر بعد ثوان.

أما في اليابان فإنهم يكادون يرفعون شعار "أمة في خطر" وبدأوا في إعداد خطة لمواجهة تدني عدد المواليد لديهم، وخرج رئيس وزرائهم يبشر مواطنيه بدعم الأسر التي لديها أكثر من طفل واحد، وتشجيع الزواج والحمل، بل إنهم أيضا يدرسون إمكانية فتح الباب للهجرة إلى بلادهم -رغم أن ذلك يعد خطا أحمرَ.. من الصعب تجاوزه في اليابان بسبب حرصهم على خصوصيتهم الثقافية- لمواجهة هذ النحر الذي يواجه شعبهم!

طيب بذمتك كده مين فيهم البلد الولادة ومين فيهم البلد العقيم؟