الصبر في الضراء و الشكر في السراء
إن من السنن الكونية وقوع البلاء علي المخلوقات . فإن العبد في هذه الدنيا معرض لصنوف من البلاء و الاختبار.
قال تعالي: ( و لنبلوكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الاموال و الانفس و الثمراث و بشر الصابرين ) و قال تعالي : ( و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون) و قال تعالي ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون)
و قال رسول الله صلي الله عليه و سلم ((إن عظم الجزاء من عظم البلاء، و إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم،فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط)) رواه الترمدي و أكمل الناس إيمانا أشدهم ابتلاء. قال رسول الله صلي الله عليه و سلم ((أشد الناس بلاء الانبياء،ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي الرجل علي حسب دينه ، فإن كان في دينه صلبا اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي علي قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتي يتركه يمشي علي الأرض و ما عليه خطيئة )).
و البلاء له صور كثيرة :
بلاء في الأهل و في المال و في الولد و في الدين، و أعظمها ما يبتلي به العبد في دينه.
و قد جمع للنبي صلي الله عليه و سلم كثير من أنواع البلاء فابتلي في أهله ، و ماله ، و ولده ،و دينه فصبر و احتسب و أحسن الظن بربه و رضي بحكمه و امتثل الشرع و لم يتجاوز حدوده فصار بحق قدوة يحتذي به لكل مبتلي .
و الإنسان عندما يصاب بمصيبة، فإن له أحوالا في تقبل تلك المصيبة إما بالعجز و الجزع و إما بالصبر و حبس النفس عن الجزع ،و إما بالرضا ، و إما بالشكر.
قال ابن القيم : والمصائب التي تحل بالعبد و ليس له حيلة في دفعها ، كموت من يعز عليه ، و سرقة ماله ، و مرضه و نحو ذلك. فإن للعبد فيها أربعة مقامات
أحدها: مقام العجز ، و هو مقام الجزع و الشكوي و السخط.و هذا ما لا يفعله إلا أقل الناس عقلا و دينا و مروءة.
المقام الثاني: مقام الصبر إما لله ، وإ ما للمروءة و الإنسانية .
المقام الثالث: مقام الرضا و هو أعلي من مقام الصبر.
المقام الرابع: مقام الشكر ، و هو أعلي من مقام الرضا ؛ فإنه يشهد البلية نعمة، فيشكر المبتلي عليها.
أما الحال الأول و هوالجزع : فأن يتسخط إما بقلبه أو بلسانه أو بجوارحه.
فتسخط القلب أن يكون في قلبه شيء علي ربه عز و جل من السخط و العياذ بالله ،و يشعر و كأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة.
و أما باللسان كأن يدعو بالويل و الثبور ، يا ويلاه! يا ثبوراه! و أن يسب الدهر فيؤذي الله عز و جل و ما أشبهه.
وأما التسخط بالجوارح مثل : أن يلطم خده ، أو يصفع رأسه ، أو ينتف شعره ،أو يشق ثوبه .
أما الحال الثانية :
فالصبر علي المصيبة بأن يحبس نفسه ؛ هو يكره المصيبة و لا يحبها ؛ و لا يتحدث باللسان بما يسخط الله، و لا يفعل بجوارحه ما يغضب الله تعالي ، و لا يكون في قلبه علي الله شيء أبدا.
و الحال الثالثة : يرضي الإنسان بها بأن يكون منشرحا صدره بهذه المصيبة و يرضي بها رضاء تاما، و كأنه لم يصب بها .
و الحالة الرابعة : الشكر فيشكر الله تعالي عليها ، و كان الرسول صلي الله عليه و سلم إذا رأي ما يكره قال: (( الحمد لله علي كل حال )) فيشكر الله من أجل أن يرتب له من الثواب علي هذه المصيبة أكثر مما أصبه ، و المؤمن كل أمره خير فهو في نعمة و عافية في جميع أحواله.
قال الرسول صلي الله عليع و سلم ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن :إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، و إن أصابته ضراءصبر فكان خيرا له )). رواه مسلم.
ينبغي لمن بلغته مصيبة ( أيا كانت هذه المصيبة) أمور :
أ= الصبر علي المصيبة، و يجب منه ما يمنعه عن المحرم.
و الصبر أو: حبس النفس عن الجزع و التسخط و حبس اللسان عن الشكوي و حبس الجوارح عن التشويش .
قال ابن القيم: و الصبر ووجب بإجماع الأمة و هو نصف الإيمان
فإن الإيمان نصفان !نصف صبر و نصف شكر.
و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلي الله عليه و سلم بامرأة تبكي عند قبر فقال ((اتقي الله و اصبري) قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي و لم تعرفه! فقيل لها:إنه النبي صلي الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلي الله عليه و سلم فلم تجد عنده بوابين،فقالت : لم أعرفك فقال ((إنما الصبر عند الصدمة أولي ))
قال الله عز و جل (( و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المهتدون))
ب= الرضا بالقضاء و القدر و التسليم التام لله عز و جل ، و هذه الصفة هي من أعظم صفات المؤمن المتوكل علي الله ، الراضي بحكم الله ، و بما قضاه الله تعالي و قدره،بل إن الإيمان بالقضاء و القدر ركن من أركان الإيمان.
ج= قول (( إنا لله و إنا إليه راجعون )) و ذلك لما جاء في قوله تعالي ((للذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون)) ، و له أن يزيد (( اللهم أجرني في مصيبتي و اخلف لي خيرا منها)).
د= اليقين بأن الدنيا دارابتلاء و امتحان ؛ لذا فهي مليئة بالمصائب، الاكدار، و الاحزان
كما قال تعالي (( و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين .))
ه= تذكر أن العبد و أهله و ماله لله عز و جل فله ما أخذ ، و له ما أعطي ، و كل شيء عنده بأجل مسمي.
و= الاستعانة علي المصيبة بالصلاة ، قال الله تعالي ((و استعينوا بالصبر و الصلاة)).
و هذا حال المؤمن الصادق ، الذي لا يخطر علي قلبه في وقت المحن و الشدائد ،إلا تذكر الله عز و جل ؛ لأنه الذي بيده مفاتيح الفرج.