الحب " طاقة إبداعية في المقام الأول .. ثقافة حقيقية ، فأن تحب يعني أنك مطالب بسورة عارمة من الاحتدام ، ولابد للمرء من أن يكون موهوباً كي يحب . لذا فكثير من الناس - وأنا منهم يقيناً – لا يحبون .
أنا أدرك أن ثمة من سيأتي بعدي ليقول : لماذا تحاول فلسفة الحب وبالتالي تجريده من معناه ؟! ويسرد لنا بعض المشاعر التي يكنها للآخر / المحبوب ، ويعتقد أنه ( جاب الدب من ديله ) .
ماذا أريد أن أقول ؟؟
بصدق لم تتضح لي رؤية متكاملة بهذا الخصوص ولكنني مازلت مهتماً بهذا الموضوع . لكن لندع هذا جانباً الآن ، ولندلف إلى الموضوع من بابه الأمامي ..
حسب " أدونيس " فإن الحب مثل الوردة ، وهذا يعني أنه لا يمكن أن يدوم طويلاً ، على اعتبار أن الوردة تذبل سريعاً . ومن أجل إطالة عمر هذه الوردة / الحب علينا أن نحب الحب أيضاً وليس المحبوب فقط .. علينا أن نعاود خلق الحب على الدوام .
وحين يتوصل رجل وامرأة إلى هذه القدرة ، وأقصد القدرة على خلق الحب وأن يمتلكا ثقافة إعادة خلقه باستمرار ، يمكن الإقرار – حينها - بأن ثمة حب . وربما السؤال المضاف هنا : هل حقاً نحن نمتلك هذه الثقافة ؟؟
الحب يحتاج إلى حالة من الصحو الدائم ، ولكن ليس من السهل البقاء في حالة الصحو هذه . ومعظم الناس ليس لها طاقة على ذلك . وبالتالي فهي تفضل العيش في حالة السهو لا الصحو . أقول صحو لأن الحب هو - بدون زيادة – حالة من البحث .. بحث من أجل رؤية أفضل .. من أجل عيش أفضل . كيف يمكن أن نكون عاشقين وأصدقاء في ذات الوقت ؟ لا يمكن ذلك إلا بالانفتاح على اللامتناهي ، أحدنا والآخر .. إلا بالعري التام .. العري الجسدي والنفسي والروحي و ... و .... إلخ .
وهذا ما لم يكن ،على الأقل حسب تجربتي شخصياً إلى جانب إطلاعي على تجارب الآخرين .. ولا أريد مصادرة المستقبل بإضافة " .. ولن يكون .." رغم رغبتي الجامحة بإضافتها ، وهذه الرغبة ليست رغبة اعتباطية ولكن انطلاقا من جملة المعارف والقراءات للواقع والعالم الذي نعيش فيه والذي يُصيغ - بشكل أو بآخر - آليات تعاطينا مع الآخر ، هذه الآليات التي غالباً ما تخرج من حيز الفعل إلى حيز رد الفعل ..
والآن .. ربما لا يروق للبعض هذا الكلام . ولكن ..علينا الاعتراف أننا نعيش في مجتمعات تتمايز بثقافة القتل أكثر من تمايزها بثقافة الحياة ، والحب فعل حياة . وهذا يعني أننا نعيش في عالم يتظاهر بالحب ولا يجيد إلا التظاهر بالحب ، عالم يقتل في كل لحظة كل ما هو إنساني وحين يقتل الإنساني فهو يقتل الإبداع والحب فعل إبداعي فهو إذاً يقتل الحب في النهاية .
وأكاد أجزم بأن كل الإخفاقات التي نراها ونعيشها في علاقاتنا بالآخر تنشأ من إيديولوجيا مجتمعات تكرس ثقافة التملك .. ثقافة الصراع .. ثقافة الحقد الاجتماعي . إنها مجتمعات معادية للحب ، معادية للحساسية الإنسانية .
وما نحن إلا أبناء هذه المجتمعات ، وبالتالي نحن لا نعرف كيف نحب ، لأننا لا نجيد ثقافة الحب .. نحن نجيد إشاراتها .. ونتجشأ حُكاكها فقط ، لنكون بذلك أشبه بتلك الجميلة التي ترقص وتتثاءب في ذات الوقت .