الصبر على الطاعة أعلى مقاماً من الصبر على البلاء لأن الصبر على الطاعة صبر إختيار والصبر على البلاء صبر إضطرار لذلك (صبر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام على ما نالهم فى الله بإختيارهم وفعلهم ومقاومتهم قومهم : أكمل من صبر أيوب على ما ناله فى الله من إبتلائه وامتحانه بما ليس مسبباً عن فعله وكذلك كان صبر إسماعيل الذبيح وصبر أبيه إبراهيم عليهما السلام على تنفيذ أمر الله أكمل من صبر يعقوب على فقد يوسف).
وسبب آخر لكون الصبر على الطاعة أكمل من الصبر على البلاء وهو أن من علامات كمال الصبرعلى البلاء وأمارات قبوله عند الله : فعل الطاعة بعده ولذلك قال تعالى فى معرض الحديث عن غزوة أحد : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] ولم يقل وسيجزى الصابرين مع أن المقام مقام صبر بل قال : {الشَّاكِرِينَ} أى الطائعين الذين إستمروا عل طاعتهم عقب البلاء .. أعظم بلاء وهل أعظم من مقتل النبى صلى الله عليه وسلم ؛ وكأن المطلوب منك يا صاحب القلب الحى أن تخرج من مصيبتك بمزيد من الطاعة والقرب من ربك والحرص على رضوانه وإلا رُد صبرك عليك ولم يُقبل.
بل قد لا تكون المصيبة سوى طريقاً لجذب العبد إلى الطاعة وتقريبه منها كما قال ابن عطاء فى حكمة تحذيرية :
"من لم يُقبل على الله بملاطفات الإحسان قِيد إليه بسلاسل الإمتحان"