بسم الله الرحمن الرحيم
أبيت أن تروى لنا قصتك،وتحكى عن سبب هدايتك،أهذا حق الصديق على صديقه؟ألا ترى أننا اهتدينا بفضلك،فمن صاحب الفضل عليك بعد الله؟ أى إنسان هذا الذى استطاع أن ينتشك من براثن الفسق والفجور، وينير طريقك الحائر بشذا الورود والياسمين، ويردك إلى حظيره الإيمان.
لقد وعدتنا أكثر من مره أن تروى لنا قصتك، ولكنك فى كل مره تحجم، وتتركنا حيارى.
فلماذا تغلق نسمات الإيمان، ولحظات انبثاق ينبوع النور، بالله أخبرنى،لقد استحلفتك بعظيم، ترقرقت عيناه_ صديقى_ بالدموع فأشفقت عليه، قائلا: لا عليك يا صديقى إن كان الموضوع يسبب لك ضيقا أو حرجا، فنحن نحترم خصوصياتك، أنا أسف وأعتذر عما بدر منى.
قال صاحبى ، وهو يجفف دموعه: كلا يا أخى ، أنت تعلم منزلتك عندى ، فإذا كان الأصحاب كثيرين فأنت أقربهم ، وإن كانو قليلا فأنت أوثقهم ، وإن كانوا واحدا فأنت هو ، ولو أخفيت سرى عن الناس جميعا فلن أستطيع أن أخفيه عليك ، إننا نشتاق للبوح أحيانا ، إننى أريد أن أبوح بما فى نفسى لنفسى وتوأم روحى ، إليك يا صاحبى قصتى وسبب هدايتى .
إنه إنسان ، إنسان بمعنى الكلمه ، إنسان طاهر نقى تقى ، ونفس صافيه شفافه ، للبائسين عطفا وحنانا ، ولليائسين عزاء وسلوى ، وعندما تعجز النفس عن لقاء الأحبه فإنها تشتاق إاليهم فى صمت ، وكما تعلم يا صديقى ،إننا كنا نجد سلوانا فى هذه الدنيا فى اللهو والعبث إالى أن بعث الله لنا من جعل لحياتنا قيمه ومعنى ، فكانت لحظه الميلاد الجديد .
وكنا نمارس عاداتنا الدنيئه_من مغازله الفتيات ، والتحرش بهن _ إلى أن ساق القدر لنا نورا بدد الظلام نفس حائره ، فأبصرت ،وأزالت غشاوة عن العين حجبت الرؤيه .
ذات مره يا صديقى ، بينما أنا فى القطار الذى استقله إلى الجامعه ، أردت محادثه فتاه كانت تجلس أمامى ، عرفت فيما بعد أناه زميله لى فى دفعتى وتخصصى ، نظرا لأننا لم نهتم بالكليه أو الحضور إليها إلا فى أوقات الإمتحانات ، المهم يا صديقى لقد أسرنى هذا الجمال الفاتن الذى يغطيه حجاب زاده جمالا وإشراقا ، فأردت محادثتها ، فإذا بها لا تجيب ، فزادنى إمتناعها طلبا لها ، ولان الممنوع مرغوب عاودت الكره مره أخرى كى أحدثها ، ولكن دون فائده ، وإذا بالقدر يسوقها فى طريقى مره أخرى ، وأردت أن أبدأ معها حديثا ، ولكننى لم أعرف من أين ، تحسست جيبى فإذا بزجاجه العطر التى أشتريتها ، وعلى التو أخرجتها وقدمتها إاليها قائلا : هذه هديه منى إاليك ، والمثل يقول : "النبى قبل الهديه".
وكتبت إاليها كلمه قرأتها فى أوراق الورد للرافعي :
( يا زجاجه العطر اذهبى اليها ، وتعطرى من مسك يديها )
_وبالطبع ، رفضت كعادتها .
نعم وقالت لى : احتفظ بهديتك ، وانتظر هديتى أنا لك غدا إن شاء الله .
وبينما أمنى النفس بالظفر بهذا الصيد الفاتن ، إذا بها تفاجئنى بهديتها التى قدمتها إلى .
تنحنح صاحبى طالبا منى أن أحضر له كتابا على المنضده ، ففعلت، وقلت: هيا أكمل يا صديقى .
لقد كان هذا الكتاب هديتها ، نظرت إلى الكتاب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهتفت : القرأن الكريم ، كتاب الله ، إنه اعظم هديه، نعم يا صديقى، وإذا بعباره مكتوبه مع الإهداء تزلزل ، تقول العباره التى كتبت بماء الذهب : ( إن لم تكن أنت للحق ، فمن يكون ).
فانتفضت يا أخى ؛ عندما فتحت الهديه، و هزتنى رعشه غريبه فقمت فتوضأت وصليت.
لم أشعر بجمال الحياه، وروعه الصلاه من قبل مثلما شعرت بها في تلك اللحظه ، وأقبلت على هديتها أقبلها ، لقد كانت لحظه الإشراق الذى هز كيانى كله بكيت وبكيت وقلت للاماره بالسوء : انتهى و ارتعدي ، وإذا بأمى وإخوتي يلاحظون هذا التغير المفاجئ الذى إنتابنى ، فلا لعب ولا لهو ولا سهر ، بل عزيمه وتأمل .
خافت أمي على؛ فسألتني : ما الخبر ؟ فقلت لها: لقد دخل النور يا أماه فماذا عساه أن يصنع.
ورويت لها القصه فإذا بها تريد أن تخطبها لى.
هذه يا صاحبى هى صاحبه الفضل فى قصه الهدايه .
أطبق السكون على المكان فقطعت الصمت لم تكمل بعد وماذا بعد أن عرضت عليك الوالده الذهاب لخطبتها ترقرقت عين صاحبى بالدموع ففهمت مراده _ عرفت كانت متزوجه أو مخطوبه .
_لا هذا ، ولا ذاك.
_لعلها رفضت.
_ليتها رفضت.
_ماذا؟
لقد ذهبت إلى بيت أبيها بعد أن عرفت عنوانها واصطحبت أمى وقادنى طفل صغير إلى المكان الذى أبحث فيه عن ضالتى ، وهنا تفجرت الدموع مرة أخرى و انسابت على الوجه الطاهر الذى لم يعد يقوى على الحديث لكنه أكمل بصعوبه، لقد أجابت نداء السماء ورحلت عن دنيانا ، وتركتها لنا نلهو ونلعب ، وانى كلما تذكرت طيفها وأنس حديثها ؛ قلت : اللهم الملتقى الجنه، لذلك عزفت نفسى عن الزواج ، وإذا بأمي تحدثني عن فلانه وفلانه ، بنات لا حصر لهن ، وأنا أرفض ، بالأمس فقط وافقت، لقد زارنى طيفها فى المنام ، وإذا بصوتها الحنون الدافئ يسألني :
_لماذا تعزف عن الزواج ؟
_ لا اريد سواك.
_تزوج ، ولا تهجر سنه نبينا .
_تزوج ،ولا تنسى إن رزقت بطفله أن تسمها بأسمي ، وتعطيها هذه الهديه .
و كانت الهديه يا صديقي زجاجه عطر.
ترقرقت الدموع ليست من عين صاحبى هذه المرة ، بل من عيني أنا ، وغادرت المكان مرددا كلماته : لن ترتوي يا قلب إلا بنفحه إيمان ، ولن تكتحلي يا عين إلا برؤية الرحمن ، وبينما أنا سائر فى الطريق عزمت أمرا إن رزقت بطفله سأسميها بأسمها ، سأسميها إيمان.