مضت الأيام المائة الأولى من حكم الرئيس الأميركي الرابع والأربعين باراك أوباما بخير وسلام... البعض يعتبر أن بقاءه على قيد الحياة أهم إنجاز... وبشكل عام هناك فارق كبير بين حكم بوش الابن وبين حكم أوباما، فبمجرد خروج بوش من البيت الأبيض ودخول أوباما إليه شعر العالم بارتياح كبير لبداية نهاية أكثر الفترات التي شهد فيها العالم توترات متتالية.
إنها مائة يوم من الهدوء والاستقرار، رغم آثار الأزمة المالية العالمية، لكن الجميع يشعر بعالم جديد مختلف عن عالم بوش الذي أوقف العالم على رجل واحدة طوال فترة حكمه وأدخل العالم من أزمة إلى أخرى، ثم رحل تاركاً وراءه أزمة مالية عالمية لا ندري متى تنتهي وكيف.
يبدو أن هناك رضا داخلياً عن سياسة أوباما، فقد كشف آخر استطلاع للرأي أجري منذ أيام أن 64 في المئة من الشعب الأميركي راضون عن أداء رئيسهم في الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه. وبلا شك فإن مائة يوم غير كافية للحكم على أداء رئيس أكبر دولة في العالم في وقت تواجه فيه أكبر أزمة مالية وكذلك تواجه تحديات في كل أنحاء العالم، لكن يبقى أن هناك مؤشرات تجعلنا نستقرئ الواقع الذي ينتظره العالم من هذا الرجل.
سياسة أوباما الخارجية في الأشهر الثلاثة الأولى كانت مثار اهتمام وإعجاب الكثير من حلفاء أميركا وخصومها، فقد شهدت تغيرات جذرية وسريعة.
فعلى صعيد قضية الشرق الأوسط تعهد الرجل بإضفاء زخم جديد على مسيرة السلام والصراع العربي الإسرائيلي، على أن تتضمن حلا قائماً على مبدأ الدولتين، واتفاقاً بين إسرائيل وسوريا تعود بموجبه مرتفعات الجولان. كما ألمح إلى استعداده للمحاورة مع عدوين لدودين لبلاده هما إيران وكوبا. وأعلن إعادة ترتيب العلاقات مع روسيا بأن أطلق جولة جديدة من المفاوضات بشأن الأسلحة النووية، وعرض في هدوء التخلي عن خطط لنصب أنظمة دفاع صاروخي في أوروبا الوسطى.
كما أمر بإغلاق السجون التي تديرها وكالة الاستخبارات الأميركية، وأمر بنشر المذكرات التي تكشف عن أساليب التعذيب المتبعة في التحقيق مع المعتقلين في السجون الأميركية. ولم تتوقف خطوات أوباما الإيجابية عند ذلك الحد بل شملت أيضاً اتخاذ إجراءات بشأن الانبعاثات الغازية وقضايا التغير المناخي، وهو ما لم يكن ليتأتى تحقيقه إبان عهد بوش.
وفي مسألة الأزمة المالية العالمية اعترف للأوروبيين بأن افتقار الأسواق المالية في بلاده للضوابط هو ما أفضى إلى حدوث أزمة الائتمان العالمية. بالإضافة إلى ما سبق فإن خطابه في البرلمان التركي، وإشاراته الإيجابية نحو العالم الإسلامي، وكذلك حضوره ومشاركته الإيجابية في قمة الدول اللاتينية، كانت خطوات تحسب لصالحه.
أما فيما يتعلق بالمنطقة وقضاياها فهناك بعض التفاصيل يجب أن نشير إليها؛ فقد كانت اختيارات أوباما للأشخاص الذين يتولون الملفات الخارجية الصعبة موفّقة؛ فترشيحه ريتشارد هولبروك مبعوثاً لأفغانستان وباكستان كانت له ردود فعل إيجابية ومريحة في البلدين والعالم. كما جاء اختياره لميتشيل كمبعوث للشرق الأوسط برداً وسلاماً على دول المنطقة أولا لأنه اختيار موفق لشخصية يمكن أن تصل إلى شيء ما في القضية الفلسطينية. الأمر الآخر أنه بالمقارنة مع موقف إدارة بوش إزاء قضية الشرق الأوسط عموماً ومماطلتها في تعيين مبعوث لها خلال سبع سنوات، فإن أوباما قام بتعيين مبعوثه للشرق الأوسط بعد 7 أيام من وصوله للبيت الأبيض.
كما تعتبر هذه الاختيارات جيدة لأن تغيير مزاج وموقف الشارع العربي تجاه أميركا منوط بقضيتين أساسيتين؛ الأولى فلسطين عبر استرجاع حقوق الشعب الفلسطيني وحل قضيته بشكل عادل ومقبول، الأمر الثاني تحقيق الاستقرار في أفغانستان ومنح شعبها فرصة لحياة أفضل، طبعاً بالإضافة إلى وضع نهاية سعيدة لاحتلال العراق والخروج الأميركي منه، والذي يبدأ في أغسطس 2010 وينتهي في أواخر 2011، على نحو لا يضر بالشعب العراقي ولا يخل بأمن المنطقة.
وما يجعل البعض غير متفائل كثيراً بتغيير السياسة الأميركية تجاه الملف الفلسطيني هو أن هذه الإدارة ما تزال تعلن أنها "ملتزمة" بأمن إسرائيل و"تتعاطف" مع الأبرياء الفلسطينيين، في حين يفترض أن تلتزم عملياً بإعادة الحق للفلسطينيين. ففي القضية الفلسطينية يبدو أن الأيام الأولى لا تعطي انطباعاً بأن تغييرات حقيقية ستحصل في الأيام المقبلة وخصوصاً مع وجود نتانياهو وليبرمان على رأس الحكومة والدبلوماسية الإسرائيليتين.
أما فيما يتعلق بإيران فمن الواضح في الأيام المائة الأولى أن تركيز الإدارة الأميركية على علاقتها بإيران يأخذ منها اهتماماً كبيراً ومتزايداً، أما "القوة الذكية" التي أعلنها أوباما فيبدو أنها تعمل بشكل جيد مع إيران وتسير قدماً رغم الشك الكبير في الوصول إلى النتائج المرجوة.
في المائة يوم الأولى بدا واضحاً أن اهتمام أوباما بدول الخليج ومصالحها لم يكن كبيراً، وهنا يجب أن نؤكد على أهمية التواصل القوي لدول الخليج مع السياسة الأميركية فيما يتعلق بالمنطقة سواء في قضية السلام مع إسرائيل أو التقارب الأميركي الإيراني، لأن دول الخليج هي التي ستدفع ثمن أية اتفاقيات في هذه القضايا وبالتالي يجب أن يكون لها رأي منذ البداية يؤخذ بالحسبان.
أما على الصعيد العربي فيجب أن لا تغيب عن إدارة أوباما المصالح العربية الاستراتيجية والتي يبدو أنها لا تأخذ المكانة المناسبة في حساباته حتى الآن، على الأقل في الأيام المائة الأولى من حكمه، لذا على العرب أن يكونوا واضحين ومباشرين في مطالبهم من الإدارة الأميركية الحالية. فخطابات الرئيس أوباما جميلة ومؤثرة لكننا ننتظر في وقت الفعل أن نرى شيئاً يترجم تلك الشعارات... وهنا يجب أن نؤكد على أهمية دور العرب في انتزاع حقوقهم، وما ينتظرونه من هذه الإدارة التي يبدو أنها مثقلة بملفات كثيرة جداً ومتشعبة بشكل يجعل ترتيب أولوياتها لا يتناسب مع سقف توقعاتنا.
الأمر الواضح الذي لا يمكن أن ننكره هو أن "الفعل العربي" غائب في الفترة الماضية واستغلال حالة الهدوء والدبلوماسية التي تتبعها الإدارة الأميركية الحالية غير مستفاد منها عربياً وما نزال إلى اليوم نعيش حالة "رد الفعل العربي"، فلا يتحرك العرب إلا إذا تحرك ضدهم الآخرون أو طلب منهم أن يتحركوا وهذا مؤشر لا يدعو إلى التفاؤل بأن أشياء كثيرة ستحدث في ظل الإدارة الأميركية الحالية، خصوصاً أن القضايا العربية العالقة منذ أيام الرئيس بوش كثيرة؛ كالإرهاب الذي صار تهمة عربية خالصة، وكذلك قضية احتلال العراق والوضع الأمني فيه، والقضية الفلسطينية، ومشكلة دارفور، والوضع في الصومال، فضلا عن الوضع الإقليمي وما تسببه علاقة طهران بواشنطن من توتر مستمر في المنطقة، بالإضافة إلى مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي.>>>>>>>منقوووووووول