المفهوم العام والبسيط للمشاركة السياسية هو : " مشاركة أعداد كبيرة من الأفراد والجماعات في الحياة السياسية "(4)، وهي تعني عند صومائيل هاتنجتون وجون نلسون: " ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء أكان هذا النشاط فردياً أم جماعياً، منظماً أم عفوياً، متواصلاً أو متقطعاً، سلمياً أم عنيفاً، شرعياً أم غير شرعي، فعالاً أم غير فعال ".(5)
والمعنى الأكثر شيوعاً لمفهوم المشاركة السياسية هو " قدرة المواطنين على التعبير العلني والتأثير في اتخاذ القرارات سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين
يفعلون ذلك ".(6)
وتفترض المشاركة وجود قنوات يتمكن الناس من خلالها من التأثير في اتخاذ القرارات التي تمس حياتهم، فالعلاقة السوية بين الدولة والمجتمع ينبغي أن تنطوي على قدرٍ كبير من المشاركة السياسية للمواطنين وتنظيماتهم في اتخاذ القرارات، وكلما ازدادت المشاركة السلمية المنتظمة لأفراد المجتمع في الشؤون العامة كلما كان ذلك دليلاً على كون الدولة تعبر تعبيراً أميناً عن توجهات المجتمع وتطلعاته . وعلى هذا الأساس يجري وصف النظام الديمقراطي على أنه النظام الذي يسمح بأوسع مشاركة هادفة من جانب المواطنين في عملية صنع القرارات السياسية واختيار القادة السياسيين.(7)
وتعتبر المشاركة السياسية بُعداً أساسياً من أبعاد التنمية البشرية، إذ يُعَّرف إعلان "الحق في التنمية " – الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1986م – عملية التنمية بأنها : "عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد، والتي يمكن عن طريقها إعمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وإذا كانت التنمية البشرية تعني تعزيز فرص الناس وقدراتهم الأساسية لكي يعيشوا حياة طويلة وصحية، وأن يتزودوا بأكبر قدر ممكن من المعرفة وأن يكون بإمكانهم الحصول على الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائق، إذا كان الأمر كذلك، فإن المشاركة تصبح مطلباً ضرورياً وبدونها تصبح خيارات كثيرة غير متاحة، أي ضرورة مشاركة كل الأطراف - بما فيهم الفقراء- في صياغة سياسات عامة أفضل لدعم النمو وتخفيض أعداد الفقراء.(
ويعني الربط بين مفهومي المشاركة السياسية والتنمية البشرية أن الأولى لازمة لتحقيق الثانية، فبدون مشاركة فعلية وجادة من قبل كافة الشرائح الاجتماعية يصعب تحقيق أهداف التنمية باعتبارها عملية تهدف إلى القضاء على الفقر، وإلى تدعيم كرامة وكبرياء الإنسان وإعمال حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية.
و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : ما هي إمكانية المشاركة السياسية للفئات الفقيرة ؟ ولماذا يتوجب على الفقراء في الدول العربية أن يشاركوا في عملية التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه فيما يلي:
إذا كانت المشاركة الشعبية تعني اشتراك الناس عن كثب في العمليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تؤثر في حياتهم، فإن ذلك يقتضي– بالضرورة – أن تكون لدى الناس إمكانية وصول مستمرة إلى صنع القرار وإلى السلطة.
وحيث أن المشاركة تتطلب حداً مقبولاً من القدرات، ومن النفوذ والسيطرة، فإنها تتطلب أيضاً مزيداً من التمكين، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وهذا معناه من
الناحية الاقتصادية قدرة أي شخص على مزاولة أي نشاط اقتصادي مشروع، ومعناه من الناحية الاجتماعية الاشتراك الكامل في جميع أشكال الحياة الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، ومعناه من الناحية السياسية حرية اختيار تغيير الحكام على كل مستوى بدءاً من رئيس المجلس الشعبي البلدي إلى رئيس الجمهورية.(9)
وعلى ذلك، فإن كل اقتراح يدعو إلى زيادة المشاركة الشعبية يجب أن يجتاز اختبار الفاعلية، أي هل يؤدي إلى زيادة قدرة الناس على السيطرة على مجريات حياتهم وتحسينها، أم أنه – على العكس – يؤدي إلى نقصان تلك القدرة، وبالتالي إلى زيادة حرمانهم وتهميشهم.
وتواجه قضية المشاركة، في كثير من البلدان العربية، عقبات عديدة بعضها قانوني وبعضها سياسي، وبعضها اجتماعي ثقافي، حيث تفضي مجمل الممارسات إلى إقصاء وتهميش العديد من الفئات الاجتماعية وفي مقدمتها الفقراء والنساء.
وهكذا يجد الفقراء أنفسهم مستبعدين رغماً عنهم من المشاركة في جوانب كثيرة
من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهو أمر بدا باعثاً على القلق مما حدا بالبنك الدولي إلى أن يُشير إلى ذلك في تقريره لعام 2000م، الذي جاء تحت عنوان : (مهاجمة الفقر) بقوله : " .. في عالم تتوزع فيه القوة السياسية بصورة غير متكافئة، تحاكي أحياناً طريقة توزُّع القوة الاقتصادية، فإن الطريقة التي تعمل بها مؤسسات الدولة قد تكون غير مواتية للفقراء بالذات، فعلى سبيل المثال، كثيراً ما لا يحصل الفقراء على مزايا الاستثمار العام في التعليم والرعاية الصحية، وكثيراً ما يكونون ضحايا الفساد والتعسف من جانب الدولة، كما أن نتائج الفقر تتأثر كثيراً بالقواعد والمبادئ والقيم والأعراف الاجتماعية السائدة التي تؤدي – داخل الأسرة أو المجتمع أو السوق – إلى استبعاد المرأة أو الجماعات العرقية أو العنصرية، أو المحرومين اجتماعياً. ولهذا السبب فإن تسهيل تمكين الفقراء من أسباب القوة يُعتبر عنصراً رئيسياً في تقليل عدد الفقراء، وتمكينهم من المشاركة.(10)
.