يشير أوباما إلى أن سياسة أمريكا الخارجية في محاربة الإرهاب الذي هو صراع مسلح وحرب أفكار يجب أن تقوم على الموائمة القائمة على إبراز القوة العسكرية بصورة حكيمة وزيادة التعاون مع الأمم الأخرى (وأن التصدي لمشكلات الفقر في العالم والدول الفاشلة أمر حيوي لمصالح أمتنا وليس مسألة إحسان وصدقة) 31. وهو يرفض الآراء التي تدعى أنه ليس أمام أمريكا في سياستها الخارجية إلا أن تختار الحرب أو الانعزال.
وفيما يتعلق بالحرب على العراق فقد عارضت هذه الحرب منذ عام 2002م ويشر إلى أن كان يشك في أدلة الإدارة ا لأمريكية على امتلاك العراق أسلحة دمار شاملة وأشار (إلى أن غزو العراق سيثبت أنه خطيئة باهضة التكاليفة) 55 كما يصف غزو العراق بأنه (غزو أمريكي أخرق ومتهور وطائش انتهك سيادة بلد إسلامي فحفز بدوره عمليات تمرد واسعة اعتمدت على الشعور الديني والكرامة الوطنية) 313.
وفي الوقت الذي يطالب فيه بسحب القوات الأمريكية من العراق فإنه يرفض في الوقت نفسه أي إنسحاب متعجل قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية بين مكونات الشعب العراقي (مع احتمال امتداد الصراع ليشمل الشرق الأوسط برمته) 141.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه أندونيسيا والتي سبق وأن قضى فيها أكثر من أربع سنوات من طفولته المبكرة مع أمه وزوجها الأندويسي بعد طلاقها من والده الكيني فضلا عن تردده إليها طيلة عشرين سنة حوالي أربع مرات يشير إلى أن هذا البلد الذي يعتبر أكبر البلدان الإسلامية على صعيد السكان ارتبط مصيره طيلة 60 سنة بالسياسة الخارجية الأمريكية في القرن العشرين وهو ينتقد بشدة سكوت أمريكا خلال ذلك على انتهاك حقوق الإنسان والدكتاتورية خلال الحرب الباردة خاصة.
إلا أنه يبدي قلقه من (تنامي الإسلام الأصولي الجهادي في البلاد) 284. إذ أن الإسلام التقليدي والمعتدل والمتسامح حل محله أحزاب إسلامية أصبحت من أكبر التكتلات السياسية وينادي أكثرها بتطبيق الشريعة ويحمِّل منطقة الشرق الأوسط مسؤولية تمويل انتشار المساجد والمدارس في الأرياف، فضلا عن التزام العديد من الأندونيسيات بالزي الإسلامي السائد في شمال أفريقيا والخليج. وقام الإسلاميون الجهاديون بشن عمليات انتحارية في المناطق السياحية وهو يوجه المسؤولية في ذلك إلى (الجماعة الإسلامية) التي يرأسها أبو بكر بشير وهي حسب ادعائه لها صلات بالقاعدة وفي نهاية حديثه عن السياسة الأمريكية تجاه هذا البلد يشير إلى السياسة الأمريكية يمكن وصفها بالناجحة وببعد النظر طالما وضعت نصب أعينها خدمة المصالح القومية والمثل العليا ومصالح الأمم الأخرى وأن هذه السياسة خاطئة عندما (ارتكزت على افتراضات تتجاهل التطلعات والطموحات المشروعة للشعوب الأخرى وأضعفت مصداقيتنا وجعلت العالم أكثر خطراً) 286.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى استعراض تاريخي للسياسة الخارجية منذ نشأة الولايات المتحدة حيث سادت سياسة الاعتزال التي رسخها الرئيس الأول جورج واشنطن بل ورفض جون أدامز فكرة أن تصبح الدولة الجديدة طاغية العالم إذ أن على أمريكا أن تركز على البناء الداخلي. في حين نجد أن توماس جيفرسون هو أول من قاد عملية التوسع خارج حدود الولايات المتحدة الثلاثة عشر وأيده جون أدامز فيما بعد، بعد أن غير رايه وأخذت أمريكا في التوسع غربا وفي جنوبها الغربي وكان أكبر ضحايا هذا التوسع هم الهنود والمكسيك وازداد اهتمام هذه الولايات بالتوسع في أعقاب الحرب الأهلية وانتصار دعاة الاتحاد إذ أخذت الولايات تفكر بالأسواق وتأمين المواد الخام وجرى ضم هاواي ثم السيطرة على بروتوريكو وغوام والفلبين. بل أن تيدور روزفلت أعلن أن الولايات المتحدة (سوف تتدخل في أي بلد في أمريكا اللاتينة أو منطقة الكاريبي لا تنال حكومته رضى أمريكا) 288 ومع بداية القرن العشرين حاول ودورو ولسن تفادي الانضمام إلى الحرب الأولى إلا أن إغراق ألمانيا المتكرر للسفن الأمريكية دفعها إلى ذلك فضلا عن الخوف من الانهيار الوشيك للقارة الأوربية. ولكن مشاريع ولسن في احترام حق تقرير المصير للشعوب وتزويد العالم باطار قانوني فشلت عندما رفض الكونجرس الموافقة على الانضمام إلى عصبة الأمم في جنيف إذ عد الانضمام (تعديا على السيادة الأمريكية وقيداً أخرق لقدرة أمريكا على محض إرادتها على العالم) 289.
وعندما اندلعت الحرب الثانية اختارت أمريكا الوقوف على الحياد في البداية إلى أنها أجبرت على الانضمام إلى الحلفاء في أعقاب الهجوم على بيرل هاربر وقال روزفلت قولته المشهورة آنذاك (لا يوجد شئ اسمه الأمن لأي أمة أو أي فرد وفي عالم تحكمه مبادئ العصابات لا يمكننا أن نقيس أمننا بالأميال على أي خريطة بعد اليوم) 289.
وفي أعقاب الحرب الثانية وظهور الاتحاد السوفيتي وأيدلوجيته الشيوعية حاول البعض اتباع سياسة خارجية تقوم على طرف واحد هو أمريكا وتأخذ بالطرق العسكرية في القضاء على هذا الخطر، إلا أن وجهة أخرى دعت إلى قيام سياسة تتبع التسويات والحلول الدبلوماسية مع ستالين. لكن ما ساد على الأرض كان وجهة نظر ثالثة تبناها ترومان وفريقه أَتشسون ومارشال وكنيان تقوم على (بنية نظام جديد يقرن مثالية ولسن مع الواقعية المتشددة وهذا يعني إذعان القوة الأمريكية وقبولها يعجز قدرة أمريكا على التحكم في أحداث العالم)290.
وضمن هذه السياسة على أمريكا أن تختار حلفاء مخلصون ثابتون يقاسمونها مثلها في الحرية والديمقراطية وحكم القانون وهكذا نجحت أمريكا في سياسة الاحتواء القائمة على الجنود الأمريكان وحلف الأطلسي وخطة مارشال والأمم المتحدة ومنظماتها واتفاقياتها.
وقد شهدت الستين سنة الأخيرة بناء قوة عسكرية أمريكية ساحقة في العالم بفضل تعاون المثلث الحديدي المكون من البنتاغون ومقاولي الدفاع وأعضاء الكونجرس الذي يمثلون شركات السلاح والأنظمة العسكرية في ولاياتهم والذين لعبوا دوراً كبيراً في رسم السياسة الخارجية الأمريكية وهكذا انظر (صناع السياسة الخارجية الأمريكية على نحو متزايد إلى المشكلات في العالم من منظور عسكري لا دبلوماسي) 292.
وربما كان أبرز فشل لهذه السياسة هو ما حدث في فيتنام حيث أبدى ذوي الميول اليسارية في أمريكا رفضهم للأهداف العريضة لهذه السياسة وتبنى الديمقراطيون خلال هذه الحقبة سياسة خارجية تشكك في جدوى العمليات العسكرية والسرية التي تبناها الجمهوريون. وقد وجدت سياسة نكسون وكسينجر الخارجية الدعم من خلال البراعة والذكاء على الصعيد التكتيكي وأن خيمت عليها ظلال قصف كمبوديا الذي أفتقد التوجه الأخلاقي.