يبلغ المسلم المحب الصادق الذروة، ويفنى كلِّيَّةً في حب الله تعالى، إذا كانت كل حركة من حركاته وكل سكنة من سكناته، بل كل لفتة من لفتاته وخلجة من خلجات نفسه تنطق بحب الله، خاشعة وجلة.. جاهدة مجاهدة. فهو يتعامل مع الوجود كله بحب الله تعالى، ووفق ناموس الحب الذي يلفّ هذا الوجود.
يوقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- في نفوسنا ما غفا وتخدّر من قواعد المنطق وأصول التسلسل، وتمكنت منه نوازع الدنيا فلم يحلق في الأجواء، يعلنه عليه الصلاة السلام حتى لا تبقى محبة الله تعالى على أفواهنا كلمة جوفاء خاوية خالية، عارية عن الحقيقة، ناقلاً عن ربه سبحانه بعضًا مما جاءه من الوحي القرآني: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" [آل عمران: 31].
وينطق الرسول صلى الله عليه وسلم بكلمات من ذهب، موضحًا بعض الطرق الموصلة لحب الله تعالى، والدلائل الموضحة لهذا الحب، حين يقول: (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
قمة الهرم الإيماني
حب الله تعالى هو أعلى أنواع الحب، وقمة الهرم الإيماني، فمتى أحب العبد ربه ترك ما لا يرضيه وسار على درب الصلاح الذي رسمه له، وابتعد عن المعاصي، فمن أحب الله بحق أطاع أمره واتبع شرعه، فالمخالفة والعصيان دليل كذب المحبة أو نقصها.
ولذا فطريق حب الله تعالى يتمثل في ترك المعاصي، مع الحرص على أداء الفرائض، والإكثار من النوافل، فهو طريق عمليّ إذن، وقد قيل: "من أحب أن يعلم ما له عند الله عز وجل فلينظر ما لله عز وجل عنده، فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه، ومن أوفى بهذا الحب نال محبة الله تعالى، ويا لها من كرامة إذا حصلت!!".
حب الله يعلو فوق كل حب
ميار طالبة اقتصاد ترى أن الطاعة والعبادة هي التي تميز حب الله عن حب الآخرين، وتعبر عن ذلك فتقول: "شيء أكيد أنه يكون رب العالمين الشيء الوحيد اللي الإنسان يحبه ويعبده.. أكيد فيه ناس تانيين الإنسان بيحبهم بس بالدرجة الأولى تكون طاعة لرب العالمين والإيمان برب العالمين. مستحيل أنك تحب واحد لدرجة أنك تعبده، رب العالمين الشيء الوحيد المميز والمسلم فيه أن الطاعة له لوحده.. مستحيل إنها تتغير في يوم من الأيام، بالإضافة إلى أن طاعتنا تكون أكيد لرب العالمين.. مستحيل واحد يصلي لأحد لأنه بيحبه أو تصلي لصاحبتك لأنك بتحبيها.. هذا اللي يميز حب الإنسان في حب الله".
وحين سألناها: "مين أكتر بياخد من تفكيرك الناس اللي بتحبيهم حواليكي ولا رب العالمين؟" أجابت:
"أكيد رب العالمين بالدرجة الأولى بس الإنسان بياخد مقدار معين أكيد بتفكري بصاحبتك لدرجة معينة وبابوك وبعمك وأختك بس رب العالمين بيكون أهم شيء قدام نظرك لو بدك تساعدي صاحبتك بتفكري فيها بس بتحطي قدامك صفحة بيضاء مكتوب عليها لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. الشيء اللي بدك تطبقيه أنك تمشي على منهج رب العالمين ومنهج الرسول".
ونتذكر هنا ما قاله الإمام الغزالي: "وكمال الحب أن يحب العبد ربه عز وجل بكل قلبه، وما دام يلتفت إلى غيره فزاوية من قلبه مشغولة بغيره".
أما حنين، فترى أن القلب ملك لله، فلا شيء يستحق الحب مثل الله، تقول حنين: "بأبسط كلمة إن القلب الله أعطانا إياه وهو ملك الله، فيعني الإنسان ما بيصير يحط فيه حيا الله ومين ما كان مش هالصندوق بيقدر يحط فيه إيش ما كان، فالقلب هاد أعظم عضو عند الإنسان صح هو بنفس أهمية العقل بالعكس؛ لأنه القلب فيه العواطف المشاعر هو مهم".
فحال من يحب مولاه بحق أن يسلم وجهه وأمره وقلبه وكيانه كله لله تعالى. وحينما ترسخ محبة الله في قلب المؤمن، وتتعمق جذورها، كان الله عز وجل هو الغاية في كل شيء، وآثره المرءُ على كل شيء، وضحى من أجله بكل شيء؛ لأنه شعر بحلاوة الإيمان ولذة اليقين، فأصبحت بقية اللذائذ الدنيوية لا قيمة لها أمام هذه اللذة.
أما أبو محمد فيقول: "قلبي لله لكن كونه لله لا يمنع أن يكون هناك أيضًا لغيره على أن لا يكون ذلك متعديًّا على محبة الله سبحانه وتعالى، يعني محبة الله تجيز لي أن أحب أشياء أخرى وهذا غير ممنوع، أما أن يتقدم شيء على حب الله لا".
هكذا يقع حب الله عز وجل في قلب المؤمن الصادق الذي قد كمل بمعرفة جمال الله وجلاله، فوجد من الصلة الوشيجة والتجاذب الروحي ما لم يجده غيره.
وجد صلة المودة والقربى، صلة الوجدان المشدود بعاطفة الحب المشرق الودود، وأصبح هذا المؤمن من الذين أحبهم الله عز وجل وأحبوه.
أين نحن من حب الله؟
لقد بذلنا كل طاقتنا في حب وهمي، في حب الدنيا وحب الشهوات وحب النساء وحب العمل وحب المال وحب الدراسة وحب المغنين والمغنيات فجعلنا قلوبنا مساكن شعبية لكل شيء في الدنيا، وأسكنا فيها من هب ودب بغير حساب، فتزاحمت الأشياء في هذا القلب، وما عاد يتسع وطغى ذلك على حب الله ورسوله، فتركنا ما هو أعظم من ذلك وهو حب الله، فأين نحن من الحب الأسمى والأرقى؟
من الحبيب الذي ليس بعده حبيب؟
أليس الله أحق بالحب الأول من أي حب؟
إذا طلب منك أحد أن تقول الحب الأول في حياتك بدون تفكير.. فهل سيكون الجواب هو الله؟
نتمنى أن يكون الجواب نعم، وليست أي نعم إنما هي التي تقولها بالقلب والإحساس والعقل والفعل.
تخيل لو أنك تحب أحد البشر وهو أيضًا يبادلك الحب؟
تخيل لو أنك تحب الله عز وجل ويبادلك الحب؟
أيهما تفضل أن يكون حبك الأول واختيارك؟
وشتان بين المفاضلة..
إن حب الله ليس قبله حب وليس بعده حب.
وفي سؤال وجهناه لبعض الشباب هل قلبك وقف لله أم هو مساكن شعبية؟ وجدنا قلوبا ملأها حب الله واحتل فيها المرتبة الأولى، وأخرى زاحم فيها حبُّ الدنيا حبَّ الله، وفئة ثالثة ما درت بما تجيب لعلها لا تعرف لحب الله طريقًا!.
أحد الشباب يبدو عليه التيه قال لما وجه السؤال إليه: "ما رح أقدر أجاوبك على السؤال اسمحي لي".
ويرى آخر أن هناك في القلب مع الله أناسًا آخرين، لكن ليس بالدرجة التي لله، يقول: "بالنسبة للقلب مستحيل يكون لرب العالمين في عندك أم وأب وناس تانيين، بس بيكون رب العالمين درجة أولى".
الطريق إلى الله
يختلف الناس في إثبات حبهم لله تعالى، فبعض الناس يرى أن طاعته وصلاته هي أكبر دليل للحب، ويرى البعض أن التعايش مع القرآن الكريم هو دليل حب الله تعالى، بينما يرى آخرون أن التضرع والدعاء ومناجاة الله تعالى هو من أنجح أسباب جلب محبة الله تعالى.
وفي مشاركة لساحة الحوار بإسلام أون لاين.نت، وسؤال المشاركين حول محبة الله في القلوب، جاءت مشاركة ممن سمَّى نفسه "اللهم" مشاركة عملية، حيث قال: "اللهم يا رب الأرباب.. ويا مجري السحاب.. ويا خالق الإنسان من تراب... اللهم ارزقني حبك.. وحب من يحبك.. وحب كل عمل يقربني إلى حبك.. هكذا أحب أن أكون، وأتوق أن أكون.. وحتما إن شاء الله سأكون....".
أما عبد القادر خليف رئيس جمهورية ساحة الحوار بإسلام أون لاين، فيعبر عن صلته بالله قائلا: "وأنا لا أجد إلا رعاية الله وحفظه في دنياي وآخرتي، فلا ملجأ من الله إلا إليه، لذا أحب أن أكون في كنف الله دائما، وكلنا يحب ذلك، لذا علينا بالأخذ بالأسباب التي تجعلنا في كنف الله دائما".
وعن الأسباب التي تجعل المرء ينال محبة الله يقول خليف: "هناك وسائل كثيرة، منها أن أكون في حالة وضوء دائمة، وأن أحافظ على أذكار الصباح والمساء، وأن أقيم الصلاة لوقتها فلا أتأخر عنها إلا لعذر طارئ، وأن أتبع أوامر الله والرسول وأجتنب النواهي. وبعد كل هذا، فكل شيء هين جدا".
أما محمد السيد، فهو يرى أن التفكر الذكي في ملكوت الله عز وجل سبيل إلى معرفة الله، فمن تفكر في خلق الله من أرض وسماء وغيرهما، أصابته الحكمة، وأيقن أن الله تعالى حق، ورزق الحكمة من الله.
ويرى محمد أن "معرفة الله تتحقق بمعرفة القلب.. ومن أراد أن ينشط قلبه فليتبع الحق أينما كان.. وأن يكون على يقين أن الله لا يظلم أحدا أبدا، وأن يفهم أن الله ينظر إلى قلب المؤمن".
عبد الله المصري يرى نقلا عن أحد شيوخه أنه لكي يصل الإنسان إلى رتبة عالية في العلاقة مع الله فعليه ألا يجعل في الدنيا شيئا إلا الله، وينقل عن شيخه قوله: "التوكل على الله أن تنزع أنا من أنا حتى لا يبقى لك إلا "إنه أنا الله لا إله إلا أنا".
"يا ولدي.. إنه ما ثم في الوجود إلا الله"
ويرى المصري أن من أفضل سبل حسن الصلة بالله ألا يتعلق القلب بالدنيا، وأن يتخفف منها، ويتحفنا بمثل عن شيخه يقول فيه: "لو أن سالكين في طريق أحدهما كلما وجد حجراً التقطه ووضعه في جيبه، والآخر كلما وجد حجراً تجاوزه ومر من فوقه... ترى أيهما سيصل أولاً؟
"لا ريب أن من تكثر أثقاله سيقعد عن بلوغ مراده وهدفه، بينما المتجاوز سيدرك مراده بأسرع وقت وأيسر طريق".
فهل قلبك سيكون لله، أم ما زال مساكن شعبية؟ منقوووووووول