تعود فكرة عيد الأم للسيدة حنة جارويس من مدينة فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الامريكية...فقد دعت عام 1905 أصدقاءها واقاربها للاحتفال بذكرى وفاة والدتها... وفي الاحتفال تبلورت فكرة تخصيص يوم للأم... وهكذا بدأت السيدة حنة جارويس الكفاح في سبيل تحقيق فكرتها.
في العاشر من شهر أيار لعام 1913 أقر الكونغرس الامريكي تخصيص يوم للأم...وفي التاسع من أيّار 1914 أصدر الرئيس الأمريكي ويدرو ويلسون مرسوماً يعلن فيه عن تخصيص يوم ليكون عيداً رسمياً للام، وتم تحديده يوم الاحد الاول من شهر مايو من كل عام.
ومن الولايات المتحدة انتقلت الفكرة إلى أوروبا وباقي أرجاء العالم.
وأما بالنسبة لعيد الم في العالم العربي، فقد كانت جمهورية مصر العربية هي الرائدة..ففي 6/12/1955 كتب الصحفي المصري علي أمين في زاويته الصحفية اليومية "فكرة" دعا فيها إلى تخصيص يوم الاحتفال بالأم وفي 9/12/1955 اقترح موعده وعلل اقتراحه.
وفكرة علي أمين هذه جاءته اثر تلقيه رسالة من أم تشكو من ابنها الذي اعطته ريعان شبابها فقد توفي زوجها وهي في العشرين من عمرها ورفضت الزواج...وباعت مصاغها وحلل المطبخ وأثاث بيتها ثم ملابسها واشتغلت خياطة للفساتين وخادمة في بيوت الأغنياء لتعلمه وتعد|ه للحياة وتعلّم ابنها وحصل على الشهادة الجامعية وحصل على وظيفة أيضاً.. وزوجّته.. وتلبية لرغبة زوجته ( التي فضلت أن تعيش بعيدة عن حماتها) قرر ترك البيت ووافقت الأم... وخرج الابن من البيت يحمل الحقائب التي رتبتها أمه دون كلمة شكر أو وداع وعاش بعيداً عن أمه.
وبعد أن أورد الصحفي علي أمين مضمون هذه الرسالة والتي اثرت فيه كثيراً، كتب في زاويته، "..فلماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه "يوم الأم" ونجعله عيداً قومياً في بلادنا وبلاد الشرق...وفي هذا اليوم يقدم الأبناء لامهاتهم الهدايا الصغيرة ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة... لماذا لا نشجع الأطفال في هذا اليوم على أن يعامل كل منهم أمه كملكة، فيمنعوها من العمل، ويتولوا هم في هذا اليوم كل أعمالها المنزلية بدلاً منها"؟..." ولكن أي يوم من السنة نجعله "عيد الام"؟...وفي 9/12/1955 كتب في زاويته "فكرة" وذلك بعد أن اختلفت الجمعيات النسائية على اختيار اليوم، واتفقن بسبب الخلاف على دفن الفكرة ما رأيكم في الحادي والعشرين من شهر مارس(آذار) ... انه اليوم الذي يبدأ به الربيع وتتفتح فيه الزهور والقلوب. ما رأيكم في أن نجعل "عيد الأم هو بداية الربيع في بلادنا وبلاد الشرق الاوسط. ونساهم كلنا في جعل الأم في هذا اليوم " ملكة بيتها" فلا تغسل ولا تطبخ، ولا تمسح، وانما تصبح "ضيفة الشرف" ويتولى اولادها كل اعمالها المنزلية... ويقدمون لها الهدايا وباقات الزهور، ويضعون تحت عقب الباب في حجرة نومها خطابات رقيقة يسجلون فيها نبضات القلب التي تاهت بين الشفاه طول العام؟". قرأت السيدة زينات الجداوي [ مقررة لجنة الخدمة العامة في جمعية المرشدات[ الفكرة وتأثرت بها جداً، فقد سحرتها الفكرة ونف>ت كلماتها إلى قلبها ] على حد تعبيرها[ فبادرت إلى تهنئة وشكر الصحفي علي امين الذي أجابها بجفاف "أنا لا أريد تهنئة، أنا أريد عملاً". فهمت السيدة زينات ما ترمي إليه الاجابة فتحولت من معجبة بالفكرة إلى مبادرة لتنفيذها...قامت بعرض الفكرة على الجمعية التي رحبت بالفكرة واعلان مشروع برنامج العيد ووسائل تنفيذه... وأخذت تتصل بالشخصيات الرسمية والمؤسسات ورجال الصحافة والأدب والدين وغيرهم...] وممن اتصلت بهم: شيخ الازهر، استاذ الجيل أحمد لطفي السيد، والسيد عبد الخالق حسونه أمين عام الجامعة العربية والشيخ عبد الرحمن تاج والسيد حسين الشافعي والسيد كمال الدين حسين وزير المعارف وغيرهم[. وبحماس رحب الجميع بالفكرة وابدى كل منهم استعداده للمساعدة بالآراء والمجهود وقد عبّر الكثيرون عن تأييدهم الصادق للفكرة بالكتابة في الصحافة والتطرق إليها في خطب أيام الجمعة من على منابر المساجد.
واقيمت لجنة عيد الأم التي تعاونت مع وزارة التربية والتعليم وأقرت نشيداً خاصاً لعيد الأم، كتبه الشاعر علي أحمد باكثير ولحنه الاستاذ عبد الحليم علي...وقامت الاذاعة ببثه، ولما يزّل يردده الملايين من التلاميذ في العالم العربي.
عيدك يا أمي ابهج اعيادي
لولاك يا أمي ما كان ميلادي
والامانة العلمية تقتضي أن اشير بأن ما اوردته حتى الآن اعتمدت فيه على كتاب زينات الجداوي...ولكن رواية الصحفي علي امين صاحب الفكرة تختلف في بعض التفاصيل. فقد جاء في زاويته "فكرة" انه طلب من زينات الجداوي بعد أن شكرته بالتلفزيون أن تتصل بالجمعيات النسائية، وأكد على ذلك...وتحمست زينات إلا أن حماسها فتر اليوم التالي...فقد اختلفت الجمعيات على تحديد اليوم فقررت دفن الفكرة مما اغضب الامر علي أمين وهدد بنشر الخلاف...ولم يؤثر تهديده فاضطر أن يختار لوحده يوم 21 مارس (آذار) عيداً للأم...وطلب رأي القراء وتلقى مئات الخطابات والمكالمات الهاتفية تؤيد الفكرة وتوافق على التاريخ..وقامت الجمعيات النسائية بمحاربة الفكرة..واتهمته بعض الصحف بأنه يقوم بدعوة استعمارية هدفها هزّ اركان الاسرة والتفريق بين الاب والام...وان الفكرة امريكية ولا تتفق مع تقاليدنا.. ولكن علي امين لم يستسلم فبدأ يكتب ويدعو لفكرة عيد الم وينشر المقالات والكاريكاتيرات وخاصة في صحيفة "أخبار اليوم" ورأى أنه بحاجة إلى دعم رسمي فاتفق مع زينات الجداوي ن يقابلا وزير المعارف السيد كمال الدين حسين الذي تحمس للفكرة وأصدر منشوراً لجميع المدارس يطلب منها الاحتفال بهذا العيد كل عام...
وفي اول عيد للأم، 21 آذار من عام 1955 ..زار علي أمين وشقيقه مصطفى قبر والدته..ووضع عليه باقة من الزهر.. وكلف احد باعة الزهور ارسال باقة زهر إلى أمه التي نسي ابنها بعد 25 سنة يشكرها ويودعها وكتب عليها اسم ابنها وفي اليون التالي حضرت تلك الم إلى مكتبه لتشكره...وتخبره بأن ابنها ارسل لها باقة زهر اخرى...وانها خلعت السواد لأن هذا اليوم هو أول اعيادها... وتقدمت منه وقبلته ويكتب علي أمين.." وما زلت احس بقبلات هذه السيدة على وجهي...فأن قبلاتها كانت ارفع وسام حصلت عليه في حياتي الصحفية".
وكان العيد تتويجاً واعترافاً رمزياً لاحترام الأم الذي نادت به الانسانية والديانات المختلفة منذ فجر التاريخ.
ومن مصر انتقلت الفكرة إلى جميع الدول العربية.
فإلى كل الأمهات اقدم باقة ورد وقارورة عطر
وكل عام وأنتم بخير